هلال رمضان
1- رؤية الهلال أو كمالة شعبان
يستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان ويطلبوه ليحتاطوا بذلك لصيامهم لقوله صلى الله عليه وسلم:
{أحصوا هلال شعبان [1] لرمضان } ( [2] )
إذا رأوا هلال رمضان وجب الصيام
إن كانت السماء صافية ولم يروا الهلال كان اليوم التالي هو الثلاثين من شعبان
ولم يصام ذلك اليوم إلا أن يوافق صوماً مثل من عادته صوم يوم وإفطار يوم أو صوم يوم الخميس وشبه ذلك إذا وافق صومه أو من صام قبل ذلك بأيام فلا بأس بصومه
إن كانت السماء غير صافية وحال دون رؤية الهلال حائل ما يمنع رؤية الهلال سحاب أو غبار يجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما لقوله صلى الله عليه وسلم
{صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته([3]) فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين } ( [4] )
ولا يجزئه عن رمضان إن صامه احتياطاً ([5]) لرمضان لأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه إلا باليقين رؤية الهلال أو أكمال شعبان
الصوم معلق على رؤية الهلال المجردة ولو بواسطة المراصد والآلات التي تكبر المرئيات فإنه يعتبر ذلك رؤية بالعين المشاهدة ([6])
2- رؤية الهلال في بلد وإلزام البلدان بالصيام
إذا رأى الهلال أهل بلد وكان بينها وبين بلد أخرى مسافة قريبة ([7]) لا تختلف المطالع لأجلها كمكة والمدينة لزم أهلهما الصوم برؤية الهلال في إحداهما
وإن كان بينهما بُعد كالحجاز والشام فلكل أهل بلد رؤيتهم فعن كريب { أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل عليّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت رأيناه ليلة الجمعة ، فقال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟ قلت: نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم }( [8] )
{إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا} ( [9] )
والخطاب هنا نسبي فإن الأمر بالصوم والفطر موجه إلى من وجد عندهم الهلال أما من لم يوجد عندهم هلال فإن الخطاب لا يتناولهم إلا حين يوجد عندهم لاختلاف المطالع ( [10] )
3- إذا رأى هلال شهر رمضان عدلاً صام الناس
يثبت هلال رمضان بشهادة واحد
يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل ويلزم الناس الصيام
لما روى ابن عمر قال: { تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أني رأيته , فصام وأمر الناس بصيامه} ( [11] )
فيجب صوم رمضان ولو بشهادة الواحد ( [12] ) ولو امرأة ( [13] )
4- لا يفطر إذا رأى هلال شوال وحده
أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال ، وقد أصبح الناس صياماً فأتيا عمر فذكرا ذلك له فقال لأحدهما أصائم أنت ؟ قال : بل مفطر، قال ما حملك على هذا ؟ قال: لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال، وقال للآخر قال أنا صائم ، قال ما حملك على هذا ؟ قال: لم أكن لأفطر والناس صيام ، فقال للذي أفطر لولا مكان هذا لأوجعت رأسك ثم نودي في الناس أن خرجوا
وإنما أراد ضربه لإفطاره برؤيته ودفع عنه الضرب لكمال الشهادة به وبصاحبه ، ولو جاز له الفطر لما أنكر عليه ولا تواعده
لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
{صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون } ( [14] )
وهذا معناه أن الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس ( [15] )
5- الانتقال من بلد خرج منها رمضان إلى بلد به رمضان أو العكس
إن انتقل من البلد الذي بدأ الصيام مع أهله إلى بلد آخر كمن انتقل من السعودية إلى مصر وقد أفطر أهلها قبل السعودية بيوم أو إلى الهند ولازال أهلها مستمرون في الصوم مثلاً , فحكمه في الإفطار والاستمرار حكم البلد الذي انتقل إليه فيفطر معهم إن أفطروا قبل البلد الذي بدأ الصيام به ([16] )
ويعتبر بابتداء الصيام في البلد التي سافر منه وبنهايته في البلد التي قدم إليها , فإذا كان مجموع ما صامه ثمانية وعشرين يوماً وجب عليه قضاء يوم , لأن الشهر القمري لا يكون أقل من 29يوماً ، وإن كان قد أتم صيام ثلاثين يوما في البلد الذي سافر إليه وبقي على أهل هذا البلد صيام يوم مثلاً وجب عليه أن يصوم معهم حتى يفطر بفطرهم يوم العيد ويصلي معهم يوم العيد ( [17] )
6- وقت الإفطار في رمضان أثناء الطيران
إذا كان الصائم في الطائرة واطلع بواسطة الساعة والتليفون عن إفطار البلد القريبة منه وهو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة فليس له أن يفطر , لأن الله تعالى قال: {ثم أتموا الصيام إلى الليل (187)} البقرة وهذه الغاية لم تتحقق في حقه مادام يرى الشمس , وأما إذا أفطر بالبلد بعد انتهاء النهار في حقه فأقلعت الطائرة ثم رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً , لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها ( [18] )
7- الخروج بالفطر من رمضان بشهادة اثنين
لا يقبل في هلال شوال إلا بشهادة اثنين عدلين ( [19] ) قال النبي صلى الله عليه وسلم { فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا } ( [20] )
لا يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا شهادة النساء المنفردات وإن كثرن وكذلك سائر الشهور ( [21] )
[1]جاء في إجابة الفتوى رقم (256) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نظراً لما يترتب على معرفة أول يوم من شهر شعبان من أهمية بالنسبة لشهر رمضان المبارك فإن وزارة العدل تقوم في شهر رجب من كل عام بالتعميم على المحاكم بأن على القضاة أن يؤكدوا على الناس تحرّي رؤية هلال شهر شعبان ، وفي أواخر شهر شعبان تجتمع الهيئة القضائية العليا بوزارة العدل للاطلاع على ما ورد من القضاة من شهادات برؤية هلال شهر شعبان ، وبعد دراسة ذلك تصدر الهيئة القضائية قراراً بما ثبت لديها شرعاً عن أول يوم من شهر شعبان ، وبناء على ذلك تعين الليلة التي يجري فيها تحري رؤية هلال رمضان من أيام الأسبوع ، وهي ليلة الثلاثين من شعبان ، ومن ثم يتم التعميم على القضاة بذلك ، وفي ليلة الثلاثين من شعبان يكون القضاة على أهبة الاستعداد لاستقبال من يحضر إليهم شاهداً برؤية هلال رمضان ، وبعد ضبط شهادته والتثبت من عدالته ومناقشته في شهادته كيف رأى الهلال وفي أي مكان رآه وكم من الزمن بينه وبين الشمس إلى غير ذلك من الأسئلة التي يقصد منها التحقق عن صحة إمكان رؤيته ، بعد ذلك يبرق القاضي بشهادة الرؤية إلى وزارة العدل ، وفي نفس الليلة تكون الهيئة القضائية منعقدة في مقر وزارة العدل للاطلاع على ما قد يرد من القضاة حوله ، وعندما يثبت لدى الهيئة دخول الشهر تعد قراراً بذلك تثبت بموجبه دخول شهر رمضان المبارك ، وبعد اعتماد ذلك القرار من المقام السامي يتم التعميم على القضاة وإبلاغه للمواطنين بواسطة الإذاعة والصحافة والتلفزيون ، ويكفي في ثبوت رؤية هلال رمضان أن يشهد بدخوله مسلم عدل لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه ) رواه أبو داود والدار قطني
[2] الترمذي 687 , حسنه الألباني في الصحيحة 565
[3] جاء في إجابة الفتوى رقم (2763) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن الهلال متى رآه ثقة بعد غروب الشمس في ليلة الثلاثين من شعبان أو ثقات ليلة الثلاثين من رمضان فإن الرؤية تكون معتبرة ، ويعرف بها أول الشهر من غير حاجة إلى اعتبار المدة التي يمكثها القمر بعد غروب الشمس ، سواء كانت عشرين دقيقة أم أقل أو أكثر , لأنه ليس هناك في الأحاديث الصحيحة ما يدل على التحديد بدقائق معينة لغروب القمر بعد غروب الشمس
[4] البخاري 1909
[5] جاء في إجابة السؤال الثالث من الفتوى رقم (319) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
من صام يوم الثلاثين من شعبان دون ثبوت الرؤية الشرعية ووافق صومه ذلك اليوم أول دخول رمضان فلا يجزئه , لكونه لم يبن صومه على أساس شرعي ، ولأنه يوم الشك ، وقد دلت السنة الصحيحة على تحريم صومه ، وعليه قضاؤه ، قال ابن قدامه رحمه الله في ذلك : وعن أحمد رواية ثالثة لا يجب ولا يجزئه عن رمضان إن صامه ، وهو قول أكثر أهل العلم منهم أبوحنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم , لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» رواه البخاري ، وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين» رواه مسلم ، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك
[6] جاء في إجابة السؤال الثالث من الفتوى رقم (319) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
تجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال ولا يجوز الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان المبارك أو الفطر , لأن الله لم يشرع لنا ذلك ، لا في كتابه ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما شرع لنا إثبات بدء شهر رمضان ونهايته برؤية هلال شهر رمضان في بدء الصوم ورؤية هلال شوال في الإفطار
[7] نقل الشيخ البسام في توضيح الأحكام 3/134-136 عن صاحب الظلال بأنه ينظر بين الرؤية في بلد وغيرها فإن كان بينهما ألفان ومائتان وستة وعشرون كيلاً فأقل صار الحكم واحد في الفطر والصوم لاتحاد المطالع وإن كان أكثر من ذلك فلا يصح وصار لكل بلد حكمه لاختلاف المطالع سواء كان البعد شرقاً أم غرباً أو شمالاً أو جنوباً تحت ولاية واحدة أم لا في إقليم واحد أم لا
وقال الشيخ البسام اعتبار اختلاف المطالع هو الصحيح من حيث الدليل والعمل على لزوم الصوم والفطر إذا كانوا تحت ولاية واحدة
قرار مجلس هيئة كبار العلماء بعد دراسة هذا الموضوع
أولاً: اختلاف مطالع الأهلة من الأمور التي علمت بالضرورة حساً وعقلاً ولم يختلف فيها أحد وإنما وقع الاختلاف بين العلماء في اعتبار المطالع من عدمه
ثانياً: مسألة اعتبار اختلاف المطالع من عدمه من المسائل النظرية التي للاجتهاد فيها مجال والاختلاف فيها واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين وهو من الاختلاف السائغ وقد اختلف أهل العلم في هذه المسائل على قولين فمنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع ومنهم من لم ير اعتباره
ونظراً لاعتبارات قدرتها الهيئة وقد مضى على ظهور هذا الدين مدة أربعة عشرة قرناً ولا نعلم فيها فترة جرى فيها توحيد أعياد إسلامية على رؤية واحدة فإن أعضاء الهيئة يقرون بقاء الأمر على ما كان عليه وأن يكون لكل بلد إسلامي حق اختيار ما تراه بواسطة علمائها من الرأيين المشار إليهما
[8] مسلم 7/197 , الترمذي 693 وقال حديث حسن صحيح
[9] البخاري 1900 , مسلم 7/ 190
[10] الإنصاف 3/ 274
العثيمين في فتاوي ورسائل 17 / 51 بعد أن بين القوال بأن رؤية بلد تلزم جميع المسلمين وأنه مذهب الحنابلة وذكر القول باعتبار المطالع وبين أنه قول شيخ الإسلام ابن تيمية وقال هو القول الراجح أثراً ونظراً وذكر القول الثالث أن الناس يتبعون إمامهم، فإذا قرر الإمام ( ولي الأمر ) وهو ذو السلطة العليا في البلد دخول الهلال، وكان ذلك بمقتضى الأدلة الشرعية وجب العمل بمقتضى ذلك صوماً في رمضان وإفطاراً في شوال، وإذا لم يقرر ذلك فإنه لا صوم ولا فطر، واستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس» وهذا هو الذي عليه العمل في وقتنا الحاضر ثم قال لا تظهر مخالفة الناس، فإذا كنت ترى أنه يجب العمل بالقول الأول وأنه إذا ثبتت رؤية الهلال في مكان من بلاد المسلمين على وجه شرعي وجب العمل بمقتضى ذلك، وكانت بلادك لم تعمل بهذا، وترى أحد الرأيين الاۤخرين فإنه لا ينبغي لك أن تظهر المخالفة لما في ذلك من الفتنة والفوضى والأخذ والرد، وبإمكانك أن تصوم سرًّا في هلال رمضان، وأن تفطر سرًّا في هلال شوال، أما المخالفة فهذه لا تنبغي وليست مما يأمر به الإسلام
[11] صححه الألباني في الإرواء 908 , ابن حبان 8/ 231 أبو داود 2342 المستدرك 1/585
[12] الزركشي 2/628 , المغني 3/92 - 94 , الشيخ بن باز في تحفة الإخوان 162
يستحب لمن رأى الهلال أن يقول { الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله } صححه الألباني في الصحيحة 1895 , الترمذي 3447 , المسند 1/142
[13] الإنصاف 3/ 274
[14] حسنه الألباني في الإرواء 4/13 , الترمذي 697 وحسنه
[15] المغني 3/ 95 , الإنصاف 3/ 278 , الشيخ بن باز في تحفة الإخوان 162
[16] جاء ذلك في إجابة الفتوى رقم (1138) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[17] جاء ذلك في إجابة الفتوى رقم (5084) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[18] جاء ذلك في إجابة السؤال الثاني من الفتوى رقم (1693) للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[19] لمغني 3/ 94
[20] النسائي 2115 , صححه الألباني في الإرواء 909
[21] لمغني 3/ 94