التماس ليلة القدر
1- التعريف بليلة القدر ( [1] )
هي الليلة المباركة من شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن قال ابن عباس وغيره
{ أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا
ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم } ( [2] )
فهي الليلة التي اختصها الله تعالى بإنزال القرآن العظيم فيها
سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها ولأن الأمور تقدر فيها بما يكون في تلك السنة من الآجال والأرزاق والخير والبركة والمصائب والحوادث وغير ذلك قال الله تعالى : {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4)}الدخان ( [3] )
وهي ليلة مباركة قال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ (3)} الدخان
وهي ليلة معظمة مفضلة جليلة في القدر قال الله تعالى :
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)} القدر
2- من مزايا ليلة القدر
أولاً : يُنزل الله تعالى فيها الملائكة من السماء إلى الأرض بأعداد أكثر من عدد الحصى
وينزلون ومعهم الخير والبركة والرحمة والأمان ويتقدمهم الروح الأمين جبريل عليه السلام { تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) } القدر
ثانيا: ابتدأ في هذه الليلة الشريفة نزول القرآن الذي هو أعظم منه ورحمة على المسلمين {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)} القدر
ثالثا :يحل فيها السلام والأمان من أول تلك الليلة المباركة حتى الصباح قال تعالى { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } القدر
فهي ليلة سالمة لا يحدث فيها شر لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى وقيل تسلم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر
رابعا :تقدر فيها الأمور للعام القابل فتفصل تلك الأمور من الآجال والأرزاق والحوادث وغير ذلك تفصل من اللوح المحفوظ وتتلقاها الملائكة الكتبة ليجري تنفيذها بأمر الله {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4)}الدخان
خامسا :العبادة فيها خير من ألف شهر فيما سواها من الأوقات { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)} القدر
يثاب الإنسان ثواباً لا يناله بعبادة عمر طويل من أطول أعمار الرجال، إذ يجاوز ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر ، فضلا من ذي الكرم والجلال
قيل إن في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي ففعل ذلك ألف شهر فأنزل الله هذه الآية
فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل
سادسا :{من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم } ( [4] )
هذا في حق كل من صلى الترويح في تلك الليلة
سابعا : الدعاء فيها مستجاب فعن عائشة أنها قالت :{قلت يا رسول الله : أرأيت إن علمت أي ليلة, ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا} ( [5] )
3- تحري ليلة القدر
قال صلى الله عليه وسلم {التمسوها في العشر الأواخر}{ في كل وتر}( [6])
يستحب طلبها في ليالي رمضان في العشر الأواخر وفي ليالي الوتر منه آكد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان} ( [7] )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر } ( [8] )
فليلة القدر متنقلة تنتقل في العشر الأواخر
والناس من حرصهم على الخير ورغبتهم فيما عند الله يتحرون ليلة القدر ويلحون بالسؤال عنها لما في هذه الليلة من المزايا العظيمة وما يتنزل فيها من الخيرات والبركات وما يحل فيها من الرحمة والنعمة والأمان والسلام
4- ارجى هذه الليالي
كان أبي بن كعب شيخ القراء يقسم أنها ليلة سبع وعشرين
قال زر بن حبيش قلت لأبي بن كعب:{أما علمت أبا المنذر أنها ليلة سبع وعشرين؟ قال: بلى ، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع فعددنا وحفظنا والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان وأنها ليلة سبع وعشرين ولكنه كره أن يخبركم فتتكلوا} ( [9] )
وروى أبو ذر في حديث فيه طول {أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم في رمضان حتى بقي سبع فقام بهم حتى مضى نحو من ثلث الليل ثم قام بهم في ليلة خمس وعشرين حتى مضى من شطر الليل حتى كانت ليلة سبع وعشرين فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس قال فقام بهم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور} ( [10] )
وعن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ليلة القدر ليلة سبع وعشرين} ( [11] )
وهي توافق الرواية التي فيها أنها في السبع الأواخر وتوافق الرواية التي فيها أنها في العشر الأواخر من رمضان وأنها في أوتارها وأرجح أوتار ليلة سبع وعشرين
وكان عمر بن الخطاب المحدث الملهم وحذيفة بن اليمان أمين السر النبوي وغيرهما من الصحابة لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين
وهذا هو الشعور العام الجماعي عند المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وعبر القرون الطويلة أنها هذه الليلة وإقبالهم على العبادة والاجتهاد فيها ولا تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلال
5- الحكمة في أخفاء ليلة القدر
قال بعض أهل العلم أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في طلبها ويجدوا في العبادة في الشهر كله طمعاً في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كله وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء ليسألوه بأسمائه الحسنى كلها , وأخفى الأجل وقيام الساعة ليجد الناس في العمل حذراً منها
فعسى أن يكون عدم تعيينها خيرا , فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها فكان أكثر للعبادة بخلاف ما إذا علموا عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط
6- علاماتها
قد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضي والمشهور في علامتها ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم
{أن الشمس تطلع من صبيحتها بيضاء لا شعاع لها } ( [12] )
وفي رواية بيضاء { مثل الطست } ( [13] )
وفي رواية {ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة } ( [14] )
وفي رواية {إن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر} ( [15] )
وأما العلامات التي تظهر لمن وفقت له فقيل يرى كل شئ ساجد وقيل يرى الأنوار في كل مكان حتى في المواضع المظلمة وقيل يسمع سلاماً أو خطاباً من الملائكة وقيل علاماتها استجابة دعاء من وفقت له وقيل لا يشترط لحصولها شئ ولا سماعه ( [16] )
وكان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون ليلة القدر إما بعلاماتها وإما بإماراتها وإما يرونها مناماً
وقد يكشف الله لبعض الناس في المنام أو في اليقظة فيرى أنوارها أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر فقد رآها بعض الصحابة فجاءوا وأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بما رأوا فقال صلى الله عليه وسلم { أرى ( بمعنى أعلم ) رؤياكم قد تواطأت ( أي توافقت) على وقت متقارب وهو في السبع الأواخر , فمن كان متحريها (قاصدها) فليتحرها في السبع الأواخر } ([17] )
ويحصل الثواب لمن اتفق له أنه قامها وإن لم يظهر له شئ ( [18] )
قال النبي صلى الله عليه وسلم : {من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } ( [19] )
أما الثواب المعين الموعود به { خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)} القدر فهذا يختص بها من يكشف له عنها
7- ما يقال في هذه الليلة
ويستحب أن يجتهد فيها بالدعاء فيها لما روي عن عائشة أنها قالت يا رسول {إن وافقتها بم أدعو قال : قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني}([20])
[1] الله تعالى خلق كل شئ وله كل شئ ويفعل ما يشاء ويختار {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (68) } القصص
فضل من الأذكار لا إله إلا الله{أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله} الترمذي 3383، وابن ماجه 3800
وفضل من المساجد ثلاثة المسجد الحرام والأقصى ومسجد النبي {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى} البخاري 2289، ومسلم 1397
وفضل بعض البلاد على بعض فجعل مكة أفضلها
واصطفى بني آدم من بين مخلوقاته لحمل الأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ (72)} الأحزاب
[2] ابن كثير عند تفسير الآية شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن من سورة البقرة والألوسي عند تفسير الآية نزل عليك الكتاب بالحق وعند الآية ليلة القدر خير من ألف شهر
[3] فيها يفصل الأمر المقدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة في كل ما هو كائن من أمر الله تعالى في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر وغير ذلك من كل أمر حكيم أحكمه الله وأتقنه
والتقدير نوعان عام شامل ومفصل له
تقدير عام شامل لكل كائن وهو المكتوب في اللوح المحفوظ فقد كتب الله فيه مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة كما في الحديث الذي رواه أبو داوود عن عبادة بن الصامت أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( أول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال ما أكتب ؟ قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) وهذا يعم جميع المخلوقات
وتقدير مفصل للتقدير العام وهو أنواع
النوع الأول : التقدير العمري كما في حديث بن مسعود في شأن ما يكتب على الجنين وهو في بطن أمه من كتابة أجله ورزقه وعمله وشقاؤه أو سعادته
النوع الثاني : التقدير الحولي وهو ما يقدر في ليلة القدر من وقائع العام قال تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4)}الدخان
النوع الثالث : التقدير اليومي وهو ما يقدر من حوادث اليوم من حياة وموت وعز وذل إلى غير ذلك كما في قوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)} الرحمن
ولابد للمسلم الإيمان بالقدر العام وتفاصيله
[4] البخاري 2014
[5] الترمذي 3513 وقال حسن صحيح , صححه الألباني في صحيح الترمذي 3513
[6] البخاري 2021 , الترمذي 792
[7] البخاري 2017
[8] البخاري 2015 , مسلم 8/299
[9] الترمذي 793 وقال هذا حديث صحيح , مسلم 6/285
[10] الترمذي 806 وقال حسن صحيح , ابن ماجة 1327 , صححه الألباني في الإرواء 447
[11] أبو داود 1386 , ابن حبان 3672 , البيهقي 4/312 , صححه الألباني في صحيح سنن أبو داوود 1386 , والراجح وقفه على معاوية ألا أنه سيق مساق الجزم والحتم
[12] مسلم 6/285
[13] أبو داوود 1378 , ابن حبان 3682 , قال الألباني في صحيح سنن أبو داوود حسن صحيح 1378
[14] البزار 1028 , ابن خزيمة 2192 , المسند 5/ 324 , الهيثمي قال رواه أحمد ورجاله ثقات 3/175
[15] المسند 5/324 , الهيثمي قال رواه أحمد ورجاله ثقات 3/175
[16] الحافظ في الفتح 4/313
[17] البخاري 2015 , مسلم 8/299
[18] فتاوي ورسائل العثيمين 17 / 224
[19] البخاري 2015 , مسلم 8/299
[20] الترمذي 3513 وقال حسن صحيح , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3513