الاعتكاف
1- الاعتكاف في حق الرجال والنساء
الاعتكاف سنة للرجال والنساء وهو قربة ومشروعيته بالكتاب قوله تعالى:
{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا
بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(125)} البقرة
{ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ (187) } البقرة
فعله صلى اللّه عليه وسلم فقد عمل به هو وأصحابه وأزواجه
عن عائشة رضي الله عنها قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده} ( [1] )
أجمع العلماء على مشروعيته وأنه مستحب وليس بواجب
قال صلى الله عليه وسلم :{من أحبّ منكم أن يعتكف فليعتكف} ( [2] )
فالاعتكاف سنة إلا أن يكون نذراً فيلزمه الوفاء به ( [3] )
سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم: {كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال له: أوف بنذرك} ( [4] )
2- النذر بالاعتكاف
إذا نذر المرء الاعتكاف فقد أوجبه على نفسه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { من نذر أن يطيع الله فليطعه } ( [5] )
الاعتكاف لا يختص بزمان ( [6] )
مسنون كل وقت من أيام السنة , ولكنه في رمضان وفي العشرة الأخيرة منه آكد فقد كان صلى اللّه عليه وسلم يعتكف في رمضان واستقر أخيراً اعتكافه في العشرة الأواخر
والزوجة تعتكف بإذن زوجها
3- معنى الاعتكاف
الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه
الاعتكاف في الشرع: المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة لطاعة لله
4- أماكن الاعتكاف
أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد , لقول اللّه تعالى:
{ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ (187) } البقرة
الاعتكاف في كل المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة
فلا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه ( [7] )
والأفضل المساجد التي تقوم فيها الجمعة وأفضلها المساجد الثلاثة المسجد الحرام ، مسجد المدينة ، المسجد الأقصى إذا تيسر ذلك
5- من نذر اعتكاف اً في مسجد معين
من نذر اعتكافاً أو صلاة في مسجد معين فله فعله في غيره ( [8] ) كمن نذر في مسجد المدينة أجزأه فيه وفي المسجد الحرام ، ومن نذر في الأقصى أجزأه في الثلاثة ، لحديث جابر{ أن رجلاً قال يوم الفتح : يا رسول الله ، إني نذرت : إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ، فقال : صل ها هنا ، فسأله ، فقال : صل ها هنا ، فسأله ، فقال : شأنك إذاً } ( [9] )
6- فائدة الاعتكاف
فائدة الاعتكاف وثمرته هي قطع المعتكف علائقه عن الدنيا وما فيها , فالاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق ، للاتصال بخدمة الخالق ، وكلما قويت المعرفة والمحبة له ، والأنس به ، أورثت صاحبها الانقطاع إليه بالكليّة والخلوة به والتلذذ بمناجاته وجمعية نفسه وخواطره وأفكاره عليه وعلى عبادته
7- مدة الاعتكاف
الاعتكاف لا حد لأكثره وأقله لحظة ( [10] )
أي ليس له حداً محدوداً وعلى هذا فليس من شرطه الصوم ( [11] ) لكن مع الصوم أفضل ( [12] )
يصح الاعتكاف ساعة فمن لبث في المسجد وقتاً بنية الاعتكاف صح اعتكافه
8- وقت دخول المعتكف والخروج منه
السنة أن المعتكف له أن يدخل في اعتكافه حين ينوي الاعتكاف
يخرج بعد مضي المدة التي نواها وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيها إذا لم يكن منذوراً
يستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين إقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم لما روى عن عائشة قالت: {كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه} ( [13] )
وأن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذورا
9- المعتكفة إذا حاضت
المرأة إذا حاضت خرجت من المسجد إلى الرحبة فإن كان المسجد ليس له رحبة رجعت إلى بيتها فإذا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها ( [14])
10- المستحاضة إذا تحفضت تعتكف
المستحاضة لها الدخول في الاعتكاف فالاستحاضة لا تمنع الاعتكاف لأنها لا تمنع الصلاة ولا الطواف
قالت عائشة: {اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي } ( [15] )
11- المعتكف إذا خرج من معتكفه بدون ضرورة
يبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير عذر لقول عائشة : { السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد له منه } ( [16] )
12- ما يباح للمعتكف
يستحب للمعتكف أن يكثر من ذكر الله وقراءة القرآن والاستغفار والدعاء والصلاة في غير أوقات النهي
لا حرج أن يزوره بعض أصحابه وأن يتحدث معهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوره بعض نسائه ويتحدثن معه
وزارته مرة صفية رضي الله عنها وهو معتكف في رمضان فلما قامت قام معها ( [17] )عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :{كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني (أي رجع معي يوصلني إلى البيت)}( [18] )
للمعتكف أن يخرج من معتكفه لما لا بد له منه, لما روى عن عائشة قالت: {كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أعتكف يدني إلى رأسه فأرجله , وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان} ( [19] )
فيخرج للغائط والبول لأن هذا مما لا بد منه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ، وقد علمنا أنه كان يخرج لقضاء حاجته ، وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به ، فله الخروج إليه إذا احتاج إليه
وللمعتكف الخروج إلى ما أوجبه الله تعالى عليه مثل من يعتكف في مسجد لا جمعة فيه فيحتاج إلى خروجه ليصلي الجمعة
المعتكف إذا خرج لصلاة الجمعة فصلى الجمعة فإن أحب أن يعتكف في الجامع فله ذلك لأنه محل للاعتكاف، وكذلك إن دخل في طريقه مسجداً فأتم اعتكافه فيه جاز لذلك، وإن أحب الرجوع إلى معتكفه فله ذلك ([20])
للمعتكف أن يتنظف بأنواع التنظيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرجل رأسه وهو معتكف وله أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب
للمعتكف أن يأكل في المسجد ويضع سفرة يسقط عليها ما يقع منه كيلا يلوث المسجد
للمعتكف صعود سطح المسجد كما في الحرم
13- ما لا يباح للمعتكف
يجتنب ما لا يعينه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف، ففيه أولى ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك ( [21] )
لا يعود مريضاً لكن يسأل عنه ولا يشهد جنازة
لا يباشر نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها
ولقول عائشة:{ السنة للمعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها} ( [22] )
لا يجوز له أن يبيع ولا يشتري إلا ما لا بد له منه فأما التجارة والأخذ والعطاء فلا يجوز شيء من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والاشتراء فيه } ( [23] )
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة بها ولذا فعلى المعتكف مراعاة المصلحة التي تقربه أكثر لله في اعتكافه فمن كان عنده علم يكون أولى في حقه ترك ذلك ومن وجد في إقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك مما يتعدى نفعه أكثر استفادة له كما يحدث الآن لكثير من المعتكفين الذين يؤدون الاعتكاف فيخرجون منه ملتزمين بسبب ما تلقوه من دروس فقهتهم في الدين لم يتمكنوا من تحصيلها إلا في الاعتكاف الذي تفرغوا له
[1] البخاري 2026 مسلم 8/ 307
[2] البخاري 2026
[3] المغني 3/118 الزركشي 3/4 , الإنصاف 3/358
[4] البخاري 2023
[5] صححه الألباني في الإرواء 967 , أبو داوود 3289
[6] الفروع 3/147
[7] المغني 3/123 , الإنصاف 3/364
[8] الشرح الكبير 3/127 , الإنصاف 3/366
[9] صححه الألباني في الإرواء 972 , أبو داوود 3305
[10] قال في الفروع 3/157 أطلق ما يسمى به معتكفاً لابثاً فظاهره ولو لحظة , الإنصاف 3/ 359 فعلى المذهب أقله إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً
[11] الإنصاف 3/358
[12] بن باز في تحفة الإخوان 183
[13] أبو داوود 2464 , صححه الألباني في الجامع 8787 , بن باز في تحفة الإخوان 183
[14] المغني 3/148
[15] البخاري 2037 , المغني 3/154
[16] صححه الألباني في الإرواء 973 , أبو داود 2473 , المغني
[17] بن باز في تحفة الإخوان 184
[18] أبو داوود 2470 , البخاري 2035 بمعناه
[19] أبو داوود 2467 , البخاري 2029 بمعناه
[20] المغني 3/123
[21] المغني 3/148
[22] صححه الألباني في الإرواء 4/139 , أبو داود 2473
[23] الترمذي 322 وحسنه , ابن ماجة 749 , حسنه الألباني في المشكاة 732 , المغني 3/148