صفة الحشر
{ أنكم تحشرون رجالاً وركباناً وتجرون على وجوهكم}[5]
{ يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف ركباناً ومشاة وعلى وجوههم}[6]
الناس يحشروا على ثلاث طرائق
الأبرار والمخلطين والكفار
المؤمنون , الأبرار منهم يحشروا مكرمين بالركوب
فالأبرار الراغبون إلى الله جل ثناءه فيما أعد لهم من ثوابه ، يؤتون بالنجائب قال الله تعالى:
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْدًا (86)} مريم
وفداً ركباناً
{ما يحشر الوفد على أرجلهم ولا يساقون سوقاً ، ولكنهم يؤتوا بنوق لم تر الخلائق مثلها ، عليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد ، فيركبون عليها ، حتى يضربوا أبواب الجنة} [7]
المخلطون , العصاة من المؤمنين بعضهم يكون راكباً وبعضهم يكون ماشياً
وقد يركب في بعض الطريق ويمشي في بعض فهذا هو حال الراهبين الذين هم بين الخوف والرجاء
الكفار يحشروا مهانين أذلاء ماشين على وجههم ويسحبون عليها
أيحشر الكافر على وجهه ؟ الكفار يمشون على وجوههم !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم }[8]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه}[9]
والكفار بعضهم أعتى من بعض ، فالعتاة يحشرون على وجوههم والذين هم أتباع يمشون على أقدامهم ، فإذا سيقوا من موقف الحساب إلى جهنم ، سحبوا على وجوههم قال الله تعالى :
{ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ(48)} القمر
الذين يسحبون على وجههم هم شر الخلق قال عز و جل:
{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا(34)} الفرقان
حال خروجهم من الأجداث
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ(7)
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} القمر
وحالهم في الموقف كما قال وصفه الله تعالى :
{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ(43} إبراهيم
{ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ(44)} المعارج
إذا طال عليهم الموقف ، يصيرون في الحيرة كأنهم لا قلوب لهم ، ويرفعون رؤوسهم فينظرون النظر الطويل الدائم ، ولا يرتد إليهم طرفهم كأنهم قد نسوا الغمض أو جهلوه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء }[10]
ثم يحشرون عميًا وبكماً وصماً
قال الله تعالى :
{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ (97)} الإسراء
وقبل ذلك يكونون كاملي الحواس والجوارح عند خروجهم من القبور
قال تعالى : { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا(103) } طه
وسائر ما أخبر الله عزوجل عنهم من أقوالهم ونظرهم وسمعهم فإذا أدخلوا النار ردت إليهم حواسهم ، ليشاهدوا النار وما أعد لهم فيها من العذاب قال الله تعالى :
{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ(7)تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ(8)قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا (9) } الملك
وسائر ما أخبر الله عنهم من أقوالهم وسمعهم ونظرهم , فإذا نودوا بالخلود في النار سلبوا أسماعهم قال الله عزوجل :
{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ(100) } الأنبياء
أنهم يسلبون الكلام أيضاً
قال تعالى :
{ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِي(108) } المؤمنون
{ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا(102)} طه
ونحشر المجرمين أي المشركين زرقا والعرب تتشاءم بزرق العيون وتذمه
أي تشوه خلقتهم بزرقة عيونهم وسواد وجوههم [11]
لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وابغضها إلى العرب فان الروم الذين كانوا اشد اعدائهم عداوة زرق العيون
زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها مع العطش [12]
الملائكة لا تسأل عن المجرمين عندما يسحبونهم إلى النار يعرفونهم بسيماهم فيسحبوهم إلى النار من أول وهلة
فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم بل يقادون إلي النار ويلقون فيها كما قال تعالى :
{ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ (41)} الرحمن
أي بالعلامات التي تظهر عليهم يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون
وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء
تجمع الملائكة ناصية الكافر مع قدميه ويلقونه في النار
يقول تعالى : { فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ(41)} الرحمن
يؤخذوا بناصيته ويكسر كما يكسر الحطب في التنور
يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره
يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته بقدمه ويفتل ظهره [13]
ومن الناس من يحشر في حجم أصغر أنواع النمل في غاية الذل والهوان
{ يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان ،[ في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار] فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال}[14]
والناس في القيامة لهم أحوال ومواقف ، واختلاف الأخبار عنهم لاختلاف مواقفهم وأحوالهم[15]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ يبعث الناس حفاة عراة }[16]
الكفار و أصحاب الكبائر والعصاه عرايا في أكثر الأحوال والمنازل
وحالة التعري تمتد مع أصناف منهم لبعد الموقف وقد تمتد مع أشخاص
{يبصر بعضنا بعضاً ؟
قال صلى الله عليه وسلم : شغل الناس عن ذلك
وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(37)} عبس [17]
كيف بالعورات ؟ الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال صلى الله عليه وسلم : {الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض }[18] {الأمر أشد من أن يهمهم ذلك }[19]
ويلبس بعض العصاة ملابس لكنها للخزي والعار وليست تكريم وستر عورة
قال صلى الله عليه وسلم :
{النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب }[20]
أهل الإيمان لا ترى منهم عورة مكرمين بالكسوة
قال صلى الله عليه وسلم :
{ أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج فوج راكبين طاعمين كاسين } [21]
{يضع الله عز وجل لهم منابر من نور ليجلسهم عليها ، فيجعل وجههم نوراً وثيابهم نوراً }[22]
والله يُكرم أوليائه فيحفظهم من كربات هذا اليوم[23]
قال صلى الله عليه و سلم : { الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها} [24]
وقال صلى الله عليه و سلم في من مات على إحرامه :
{كفنوه في ثوبيه اللذين أحرم فيهما فإنه يبعث ملبياً} [25]
وقال صلى الله عليه و سلم : {يبعث العبد على ما مات عليه }[26]
الناس الكثير منهم كفار وأصحاب الكبائر يحشروا عرايا , ولا كرامة
للكافرين والتعري يتناسب لفضح العصاه
ومن الناس , أولياء الله المؤمنين يحشروا مكرمين كاسين فيكون منهم إبراهيم ونبينا محمد وموسى والأنبياء و الشهداء ومن مات على إحرامه
وقدرة الله تسع وكرامته لأوليائه لا تنقطع فهم في جملة من يبعث على ثيابه التي مات فيها ويكسى البعض بثياب من نور ثم تكون هناك كسوة الكرامة التي هي كسوة من الجنة , فأول من يكسى بها إبراهيم ثم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويكسى البعض بثياب من نور
ويجلسوا على منابر وهل يجلسوا على المنابر إلا بثياب !
قال صلى الله عليه وسلم :
{يكون أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل}[27]
[5] الترمذي 2426 , حسنه الألباني في صحيح ا الترغيب 3582
[6] الترمذي 3141 وحسنه , ضعفه الألباني في سنن الترمذي 3142
[7] الحاكم 2/377 وصححه
[8] الترمذي 3141 حسنه محققوا الترغيب 5248
[9] البخاري 4760
[10] الحاكم 2/276وصححه , البعث والنشور 479 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 3591
[11] تفسير القرطبي 11 / 244
[12] روح المعاني ج 16 /260
[13] تفسير ابن كثير 4 / 276
[14] الترمذي 2492 وقال حديث صحيح , حسنه الألباني لغيره في صحيح ا الترغيب 3583
[15] والآن يا أخي قارن نفسك لتحدد موقعك ومكانك أين أنت في هذه الأهوال والكروب
اسأل الله ألا تكون مع من يعاني منها بسبب معصيته لله ؟
اسأل الله أن تكون مع البعاد عنها مع المنعمين المكرمين لطاعتهم لله
1- أنت . أين أنت ؟
أنت ممن يحشر راكباً على نوق لم ترى مثلها الخلائق لأنه من المقربين ؟ اسأل الله ذلك
اسأل الله ألا تكون ممن يحشر ماشياً على أقدامه ؟ لأنه من أصحاب المعاصي ؟
2- أنت . أين أنت ؟
أنت ممن يحشروا مكرمين بالطعام والكسوة ؟ اسأل الله أن تكون منهم
احمد الله أنك مسلم ولست من المهانين ممن تسحبهم الملائكة على وجوههم صماً بكماً عميانا ً؟ قد سلبوا منهم أحاسيسهم ؟
3- أنت . أين أنت ؟ اسأل الله ألا تكون مع من يحشروا كالذر صغار من الخزي والذل لهم ؟ مع المبغضين عند رسول صلى الله عليه وسلم المبعودين من منزلته لتكبرهم ؟
اسأل الله أن تكون ممن أحبهم رسول الله من أصحاب المكانة القريبة من منزلته في الآخرة لأخلاقهم الحسنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون }
والثرثار هو الكثير الكلام والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام رواه التر مذي 2018 وحسنه
[16] البخاري 6527
[17] الترغيب 5243 حسنه محققوا الترغيب وعزاه المنذري للطبراني وقال رجاله ثقات , حسنه الألباني لغيره في الترغيب 3579
[18] وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قالت: يا رسول الله أيرى بعضنا بعض ثم قالت أدع الله أن يستر عورتي
فقال صلى الله عليه و سلم : {اللهم استر عورتها }
الطبراني , حسنه محققوا الترغيب 5245
[19] البخاري6527
[20] مسلم 934 ابن ماجة 1581 صححه الألباني في الصحيحة 1952
[21] المسند 5/164 , النسائي 2085 , ضعفه الألباني في الترغيب 2086 , حسنه محققوا الترغيب 5250
[22] المسند 5 / 343 , صححه الألباني لغيره في صحيح ا الترغيب 3027
[23] قال صلى الله عليه و سلم :
{ ولا ترى يومئذ عورة مؤمن ولا مؤمنة }
الجامع لمعمر بن راشد 11 / 403مصنف عبد الرزاق
لما دفنت أم معاذ بن جبل أمر بها فكفنت في ثياب جدد وقال : ( أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون فيها )
حسن إسناده ابن حجر 11/383 وعزاه لابن أبي الدنيا
والشهداء فيهم قال صلى الله عليه وسلم : {زملوهم في ثيابهم وادفنوهم فيها}
المسند 5/431
قارن نفسك يا أخي في هذه الأهوال وأنظر أين أنت من الكرب في هذا اليوم
1 – أين أنت ؟ اسأل الله أن تكون مع من لا ترى لهم عورات ذلك اليوم مستورين بالكسوة بالثياب ؟
اسال الله أن لا تكون مع العراة المفضوحين بالتعري من ترى عورته ؟
{أول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتي بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر ثم يؤتى بكرسي فيطرح على ساق العرش }
شرح السيوطي 4/115 وعزاه الحافظ ابن حجر في الفتح 11/392 للبيهقي
والحكمة في كون إبراهيم أول من يكسى انه جرد حين ألقي في النار و لأنه أول من استن التستر بالسراويل
فتح الباري 11 / 393
[24] أبو داوود 3114 , صححه الألباني في الصحيحة 1671
[25] البخاري 1265 , مسلم 1206 , الألباني في الجنائز ص 62
[26] مسلم 17/206
[27]البخاري6526