حشر البهائم العجماوات
{إن الله يحشر الخلق كلهم , كل دابة وطائر }[65]
قال تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38)} الأنعام
{إذا كان يوم القيامة حشر الدواب والبهائم والوحوش ثم يحصل القصاص بين الدواب يقتص للشاة الجلماء من الشاة القرناء فإذا فرغ من القصاص بين الدواب قال لها كوني تراباً فعند ذلك يقول الكافر ياليتني كنت تراباً } [66]
ويأتي
القضاء لأمم البهائم
يقضي الله عز وجل بين خلقه فيقضي بين الوحوش والبهائم , حتى إنه ليقضي للجماء من ذات القرن , فإذا فرغ من ذلك , فلم تبق تبعة عند واحدة للأخرى, قال الله لها: كوني تراباً , فعند ذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت تراباً} ثم يقضي الله بين العباد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء} [67]
إن عدل الله لا بد أن يلاحق الظالمين بالعقوبة على ظلمهم حتى تؤدى الحقوق إلى أهلها يوم القيامة بما في ذلك الحقوق بين البهائم العجماوات
إذا ظلمت شاة ذات قرون شاة جلحاء غير ذات قرون اقتص الله يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء لأن الظلم من الجرائم التي تدركها البهائم وتعرف أنه لا حق لها به وتدرك معنى الانتقام لنفسها من ظالمها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا } [68]
{هل تدري فيما ينتطحان ؟ لا – لكن الله يدري وسيقضي بينهما }[69]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى للذرة من الذرة (النملة)}[70]
حتى يقتص للنملة المظلومة من النملة الظالمة
وحتى يقتص لهذه البهائم العجماوات ممن ظلمها من البشر [71]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ من قتل عصفورا عبثا ( لعباً ) عج (رفع صوته ) إلى الله يوم القيامة
فيقول يا رب إن عبدك هذا قتلني عبثا ولم يقتلني بمنفعة }[72]
ثم نأتي على :
[65] صحح إسناده الألباني في الصحيحة 4/607 وعزاه لابن جرير
[66] جود إسناده الألباني في الصحيحة 4/607 وعزاه لابن جرير
[67] مسلم 2582 , الترمذي 2420
[68] أحمد 2/390 , صححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب 3604
[69] المسند 5/162 , صححه الألباني في الصحيحة 4/610
[70] المسند 2/323 , صححه الألباني في الصحيحة 1967
[71] لنا هنا وقفة مع التعاليم الإسلامية المبنية على الرحمة بهذه المخلوقات التي لا تنطق ولا تفصح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{من قتل عصفورة فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها
وما حقها ؟
يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي بها }
الحاكم 4/233 , الألباني حسنه في صحيح الترغيب 1077
وبين لنا أن لنا الأجر عندما نرحم الحيوان ويصل الأجر إلى أن يكون الجزاء عليه الجنة
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
{ بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى (التراب المندى) من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ، فشكر الله له فأدخله الجنة
وإن لنا في هذه البهائم لأجرا ؟
في كل كبد رطبة أجر (كل شيء يدب فيه الحياة فيه أجر)}
البخاري 2363 أخرجه مسلم 2244
الضالة ترد على الحوض فهل فيها أجراً أن سقيتها أو يرد عليه البعير لغيرك {أسقيها فإن في كل كبد أجر }
ابن ماجة 3686 , محققوا الترغيب صححوه من رواية أحمد وحسنوه من رواية 1406 ابن حبان 543
والرحمة تمتد حتى بالشاة عند الذبح
{رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتريد أن تميتها موتتين هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها}
الحاكم 4/233 وصححه , حسنه محققوا الترغيب 1633
وبين لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الرحمة بهذه المخلوقات قد يؤجر عليها بدخول الجنة وأن كان صاحب معاصي فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
{ أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع (تدلى) لسانه من العطش فنزعت موقها فستقت له به فسقته إياه فغفر لها به }
المسند 2/ 507 , مسلم 2245 , ابن حبان 386
وكما أمرنا برحمة البهائم أمرنا أيضاً بعدم إيذائها
{نها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بالبهائم }
أبو داود 2562 الترمذي 1708,1709 , محققوا الترغيب 3360 مرسل
أي الإغراء وتهيج بعض البهائم على بعض كما يفعل بالجمال والديوك ومصارعة الثيران كما يفعل أهل الكفر بتهيج الثور باللون الأحمر ويجتمعون على مشاهدة إيذائه وهم متلذذون بتعذيبه ، ويدعون أنهم أصحاب رفق بالحيوان
مر رسول الله ببعير قد لصق ظهره ببطنه فقال :
{اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة (لا تنطق ولا تفصح )فاركبوها صالحة وكلوها صالحة}
أبوداود 2548 , حسنه محققوا الترغيب 3356
ونهانا أن نجعل الحيوانات أو الطيور أغراض لتعلم التصويب بالرمي (النشان) سواء بالأسهم أو الأسلحة النارية
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا أو دجاجة يَتَرامَونَها وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا
{ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا }
البخاري5515 مسلم 1958
حتى ترويع الحيوانات والطيور نُهينا عنه
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة (طائر) معها فرخان (صغيران) فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تُعَرِش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
{من فجع هذه بولديها ؟ ردوا ولديها إليها }
ورأى قرية (موضع) نمل قد حرقناها فقال :
{ من حرق هذه قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار}
أحمد 1/205 , أبو داود 2549 , صححه محققوا الترغيب 3352
ولذا نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيذاء هذه المخلوقات بأي صورة من صور الإيذاء ة وبين لنا أن عقوبة ذلك وخيمة وقد تصل العقوبة على إيذاء هذه المخلوقات بدخول جهنم فقال صلى الله عليه وسلم :
{ عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار فقال لها والله أعلم لا أنت أطعمتيها وسقيتيها حين حبستيها ولا أنت أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا }
البخاري 2236،3482 , مسلم 2242 , البيهقي في الكبرى 8/ 13, 15593
والحيوان إن استطاع أن يشتكيك في الدنيا على إيذائك له يشتكيك كما اشتكى الجمل للنبي صلى الله عليه وسلم ، فما بالك في الآخرة والشكوى لله ؟
{دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فقال صلى الله عليه و سلم:من رب هذا الجمل ؟ لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال : لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؟ فإنه شكا إلي أنك تُجِيعُه وتُدئبه}
المسند 4/170 , صححه محققوا الترغيب 3352
فما أروع هذا الشمول الذي تتمتع به التعاليم الإسلامية امرأة تعذب بسبب قسوة قلبها تجاه هرة ورجل وامرأة يغفر لهما بسبب رحمتهما بكلب فالرحمة الإيمانية تمد ظلالها وراء حدود الإنسان فتشمل كل ذي كبد رطبة والله يثيب على كل رحمة ولو كانت بحيوان محتقر غير ذي شأن
أن الذين توصلوا حديثاً إلى إعلان مبدأ الرفق بالحيوان وأصبحوا يفخرون بهذا الرقي الإنساني إذا تعلقت مصالحهم السياسية أو الاقتصادية بإهلاك أمم وشعوب من البشر لم يتورعوا عن ذلك ولم تخفق في قلوبهم خافقة رحمة ولستم ببعد من الحوادث المعاصرة السائرة وما حدث بسجن أبو غريب
إن دوائر الرحمة لديهم محدودة في حدود أشخاصهم أو أهليهم ومن يحبون أو أقوامهم
أما التعاليم الإسلامية فإنها تجعل دائرة الرحمة دائرة واسعة تنظم الوجود كله وتجعل المؤمنين مسؤولين عن الرحمة وهذا القضاء بين البهائم من العدل الرباني مع أنها غير مكلفة بالشرائع الربانية إذ لا عقل لها ولا قدرة لديها على إدراك النهي والأمر والتكاليف الشرعية لكنها تدرك بما لديها من قدرة على المعرفة طائفة من معاني الظلم وتدرك أنها من القبائح التي تستحق عليها العقاب إذا هي فعلتها وتدرك أيضا طائفة من معاني الإحسان وتدرك أنها من المحاسن التي ينبغي أن تكافأ بالتودد والطاعة والخدمة. وبما أن الله تبارك وتعالى قد منح البهائم أو طائفة منها هذا المقدار من الإدراك فإن من سننه أن يقيم فيها عدله بمقدار ما تدرك من معاني الظلم لذلك فإن الله عزوجل يحشر البهائم مع ما يحشر من خلائق يوم القيامة فيعطي المظلوم منها حقه من ظالمه ثم يقول لها كوني تراباً فتكون تراباً
وعند ذلك يتمنى الكافر أن يعامل معاملة البهائم فيقول ياليتني كنت تراباً
ومن الفوائد على حشر البهائم في القصاص من البهائم الظالمة في الدنيا للمظلومة منها مشاهدتها عقاب من ظلمها من الناس في الدنيا بل وتمكينها من تعذيب من عذبها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{امرأة تعذب في هرة لها ، أوثقتها فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض ولم تطعمها حتى ماتت فهي إذا أقبلت تنهشها وإذا أدبرت تنهشها
(بإظفارها وأنيابها)}{تنهش قبلها ودبرها}
ابن حبان 7446 , صححه محققوا الترغيب 3357
{تخدشها هرة } تجرحها بأسنانها وأظفارها
البخاري 2364
أين أنت اسأل الله أن تكون مع أمثال عمر الذي كان يحاسب نفسه في الدنيا رضي الله عنه ويقول : (وددتُ أني كبش لأهلي يسمنونني حتى أكون أسمن ما أكون فيقدم عليهم قوم يحبونهم فيذبحوني ويقدموني فيجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدًا ثم يأكلونني ولم أكن بشرًا ). وهو الفاروق رضي الله عنه
واحمد الله أنك مسلم ولست ممن تركوا أنفسهم على هواها في معصية الله حتى أهلكتهم في الآخرة فيقول يا ليتني كنت تراباً
[72] المسند 2/166 , النسائي 7/239/ح4446 وابن حبان 5894 , ضعفه الألباني في سنن النسائي 4446 , حسنه محققوا الترغيب 1634