الغضب من الشيطان
هل إن الغضب من الشيطان حقيقة أو المقصود إغوائه ووساوسه ؟
ومع أن هذه الأحاديث السابق ذكرها بينت أن الغضب غريزي في
الإنسان , فقد جاء أيضاً في أحاديث أن الغضب من الشيطان
فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{ إن الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ }[9]
فكون الغضب من الشيطان فيه معنيان وأيضاً لا تنافي بين المعنيين وبين أنه غريزي
ففي المعنى الأول : أنه من الشيطان أي ناشئ عن وسوسته وإغوائه فأُسند إليه وبذلك يكون الغضب من نزغات الشيطان يُخْرج الإنسان عن حد الاعتدال صورةً وسيرة حتى يتكلم بالباطل ويفعل المذموم شرعاً وعرفاً وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح التي كلها من أثر سوء الخلق بل قد يكفر
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم للرجل الغضوب : لا تغضب وأصر عليه مع إلحاح السائل مريداً للزيادة أو التبديل
فكأنه قال حَسِن خُلقك لأن الخُلق الحسن من شأنه دفع نزغات الشيطان
لذا قال للرجل حُسن الخُلق ألا تغضب [10]
أي حُسن الخُلق ألا تستجيب لنزغات الشيطان
والمعنى الثاني : الغضب من الشيطان فإن الشياطين مخلوقة من نار السموم والإنسان من صلصال من حمأ مسنون والصلصال فيه نارية وبه يتمكن من الجري في أعضائه ويدل على ذلك ما جاء عند البخاري معلقاً
{ إن الشيطان جاثم [11]علي قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس }[12]
وكذلك يجري الشيطان بوسوسته وكيده في إغوائه الإنسان
{ فالشيطان يجري منه مجرى الدم في عروقه }[13]
وهل يكون من الشيطان بالفعل ؟
فيكون من الشيطان بالفعل كما جاء في المرأة المستحاضه التي كانت
تنزف فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم
{ إنما ذلك ركضه من الشيطان}[14]
أي كان يركضها في الرحم حتى يستمر النزيف فتظن أنها مازالت في العادة فتتوقف عن العبادة وكما في عبثه بالإنسان أو استحسانه له فيلمسه فيحدث له الصرع
وكل ما كان من الشيطان يستطيع دفعه بالأذكار والصبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة المصروعة :
{ إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله لكِ فشفاكِ} [15]
قالت بل أصبر فلو كان دفع الشيطان مما لا يقدر عليه الإنسان ما رغبها فيه مع أن العواقب في الصرع أشد على النفس من الغضب
وبهذا يتضح لنا أن الأمر بلا تغضب [16]هو معناه ألا تعمل بعد الغضب شيئاً مما نهيت عنه لا أنه نهاه عن شيء جبل عليه ولا حيلة في دفعه
[9] أحمد 4/226 , أبو داود 4784 , حسنه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه على جامع العلوم والحكم عند شرح الحديث السادس عشر (لا تغضب) صححه محقق الترغيب والترهيب 4063 , ضعفه الألباني في الضعيفة582
[10] هذه الرواية تأتي عند الغضبان مكلف
[11] الجثم يعني اللصوق والالتصاق
[12] البخاري تعليق سورة الناس , المشكاة 2281 عزاه للبخاري في التعليق وهذا فيه إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه حسب الإمكان
[13] البخاري 7171
[14] الترمذي 128 وقال حديث حسن صحيح , حسنه الألباني في صحيح الترمذي 287 , توضيح الأحكام 1/352 حسنه البسام وقال الأستحاضة ليست حيضاً طبيعياً وإنما هو مرض يصيب المرأة من الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم و يريد أن يلبس عليه عبادته بكل ما أقدره الله من وسائل الأذى و المضرة , و انظر سبل السلام 1/209 قال الأظهر أنها ركضة منه حقيقية إذ لا مانع من حملها عليه
[15] البخاري 5652
[16] أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلا تغضب هو لب العلاج للغضب وسيأتي معنا في آخر سؤال في الفقه في علاج الغضب