الغضب غريزة في البشر
يالرسول صلى الله عليه وسلم حماه الله من الغضب الشيطاني .فهل في غضبه الغريزي غضب مذموم ؟
ويتضح ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو الله ويقول:{ إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر ……. }[7]
فهذا فيه دليل على أن الغضب غريزة في الإنسان حيث يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يعتريه ما يعتريه البشر فيغضب أيضاً مثلهم لكن غضبه غضب محمود لأنه غضب لله حتى إذا وجد من استحق إقامة الحد فقد يكون من حُسن خُلقه أنه يزجر رأفة ورحمة منه لمستحق الحد إلا إن غضبه لله يجعله ينفذ ويجعل حُسن خُلقه في أن يطلب من الله أن يكون هذا الحد رحمة وزكاة لمن حده
(إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه فأيما مؤمن أذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة)
وفي رواية: (إني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهوراً وزكاة وقربة)
هذه الأحاديث مبينة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم وهذه الرواية المذكورة آخراً تبين المراد بباقي الروايات المطلقة وأنه إنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلماً وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة , فإن قيل: كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك ؟ فالجواب ما أجاب به العلماء ومختصره وجهان: أحدهما أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى في باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم بدعائه وسبه وجلده كان مما يخير فيه بين أمرين: أحدهما هذا الذي فعله ، والثاني زجره بأمر آخر فحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين المتخير فيهما وهو سبه أو لعنه أو جلده ونحو ذلك وليس ذلك خارجاً عن حكم الشرع والله أعلم ومعنى اجعلها له صلاة أي رحمة كما في الرواية الأخرى: والصلاة من الله تعالى الرحمة
إذاً لابد أن نعلم أن الغضب غريزي في الإنسان[8]
فلا يذم ولا يمدح إلا من جهة آثاره فمن غضب وكظم غضبه وغيظه مُدح ، ومن غضب وثار فتصرف تصرفاً شائناً نتيجة الغضب كان مذموماً بقدر ما وقع منه من تصرف فإذا أمر الشارع إنساناً ألا يغضب فالمراد هو ألا يتصرف نتيجة الغضب وليجعل رائده العقل المنضبط على ميزان الشرع
[7] مسلم 16/366 :369 وفي شرح النووي عليه ذكر هذه الروايات والروايات التي في هذا الموضع في الصفحة التالية
[8] حسن أيوب في السلوك ص/73 قال وليكن معلوماً أن الغضب غريزي في الإنسان وأتى بما ذكرناه
و ممن ذكر أن الغضب غريزة ابن الجوزي في صيد الخاطر 1/126 حيث عنون باب الغريزة فقال : فصل : الغريزة لما كان بدن الآدمي لا يقوم إلا باجتلاب المصالح و دفع المؤذي ، ركب فيه الهوى ، ليكون سبباً لجلب النافع . و الغضب ليكون سبباً لدفع المؤذي و قال البسام في توضيح الأحكام 6/302 الغضب غريزة في الإنسان فإذا جاء ما يبعثها تحركت نفسه من داخلها إلى خارج الجسد لإرادة الانتقام