قصة صالح عليه السلام
ثمود هم قبـيلة مشهورة، يقال لها: ثمود باسم جدهم فهم ولد ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وكانوا عرباً من العاربة،وكانوا يسكنون الحجر الذي بـين الحجاز، وتبوك ، وكانوا بعد قوم عاد وكانوا قد كثروا وكفروا وعتوا ، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك، فبعث الله فيهم رجلاً منهم وهو عبد الله ورسوله صالح عليه السلام
ونبي الله صالح عليه السلام هو صالح بن عبد بن ماسح بن عبـيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام
فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن يخلعوا الأصنام والأنداد، ولا يشركوا بالله شيئاً، فكان يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة
ولم يعتبروا بما كان من أمر عاد. ولهذا قال لهم نبـيهم عليه السلام: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي اْلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورَاً وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُـيُوتَاً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي اْلأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (الأعراف:الآيتان 73 74) أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان أمرهم وتعملوا بخلاف عملهم وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور {وَتَنْحَتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُـيُوتاً فَارِهِينَ} أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها، وكان الله قد أطال أعمارهم حتى إن كان أحدهم يبني البيت فينهدم وهو حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتاً فارهين من قوتهم وشدتهم نحتوا البيوت في الجبال حتى لا تنهدم عليهم في حياتهم ، وكانوا في سعة من معايشهم ، فقال لهم صالح عليه السلام قابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح والعبادة له وحده لا شريك له وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته فإن عاقبة ذلك وخيمة ولهذا وعظهم بقوله: {أَتُتْرَكُونَ فِيمَا هَهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} (الشعراء: الآيات 146- 148) أي متراكم كثير حسن بهي ناضج { فَاتَّقُوا اللّهَ وأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي اْلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} (الشعراء: الآيات 149- 152) وقال لهم أيضاً: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَالَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ اْلأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: الآية 61) أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض وجعلكم عمارها أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار فهو الخالق الرزاق فهو الذي يستحق العبادة وحده لا سواه {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (هود: الآية 61) أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم {إِنِّ رَبِّـي قَرِيْبٌ مُجِيبٌ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} (هود: الآيتان 61 - 62) أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة وترك ما كنا نعبده من الأنداد والعدول عن دين الآباء والأجداد. ولهذا قالوا: {اتَنَهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكَ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٌ} {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَـيِّنَةٍ مِنْ رَبِّـي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} (هود: الآيتان 62 - 63) وهذا تلطّف منه لهم في العبارة ولين الجانب وحسن في الدعوة لهم إلى الخير أي فما ظنّكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه، ماذا يكون عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بـين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته، وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب عليّ ولو تركته لما قدر أحد منكم، ولا من غيركم أن يجيرني منه، ولا ينصرني. فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له حتى يحكم الله بـيني وبـينكم وقالوا له أيضاً: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ} (الشعراء: الآية 153) أي من المسحورين يعنون مسحوراً لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد
ولم يزل صالح يدعوهم فلم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون ، فلما ألح عليهم بالدعاء والتحذير والتخويف قالوا له {مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} وقالوا له: {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الشعراء: الآية 154) قالوا : يا صالح اخرج معنا إلى عيدنا ، وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم ، فأرنا آية فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا . فقال : نعم ، فخرجوا بأصنامهم وصالح معهم فدعاهم إلى الله وذكّرهم وحذّرهم ووعظهم، وأمرهم , فدعوا أصنامهم أن لا يستجاب لصالح ما يدعو به ، وسألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم , وقال له سيد قومه : يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة ، وأشاروا إلى صخرة هناك منفردة ، ناقة من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافاً سمّوها ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون ناقة جوفاء عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا. فإن فعلت ذلك صدقناك فقال لهم النبـي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدّقوني فيما أرسلت به؟ قالوا: نعم، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك، وأتى الصخرة وصلى ما قدّر له، ثم دعا ربّه عزّ وجلّ أن يجيبـيهم إلى ما طلبوا فأمر الله عزّ وجّل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه المطلوب الذي طلبوا، و على الصفة التي نعتوا. فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ثم انفجرت وخرجت من وسطها الناقة كما طلبوا وهم ينظرون ثم نتجت الولد الذي كان في جوفها مثلها في العظم ، فلمّا عاينوها كذلك رأوا أمراً عظيماً ومنظراً هائلاً وقدرة باهرة ودليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً ، فآمن به سيد قومه ، واسمه جُنْدُعُ بن عمرو ، ورهط من قومه وكانوا من رؤسائهم وهم بقية الأشراف فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم. صدهم ذُوَاب بن عمر بن لبـيد والخَبَّابُ صاحبا أوثانهم ورباب بن صَمْعَرْ بن جِلْمَس ودعا جُنْدُعُ ابن عمّه شهاب بن خليفة وكان من أشرافهم فَهَمَّ بالإِسلام فنهاه أولئك فمال إليهم، وقد قال لهم صالح لما خرجت الناقة: { هَذِهِ نَاقَةُ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوْءٍ فَيَأَخُذُكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الشعراء: الآيتان 155 - 156) وقال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ بَـيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسّوهَا بِسُوْءٍ فَيَأْخُذُكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الأعراف: الآية 73) .
قال لهم صالح عليه السلام: {هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةٌ} أضافها لله سبحانه وتعالى إليه إضافة تشريف وتعظيم، دليلاً على صدق ما جئتكم به , فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بـين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم وترد الماء يوماً بعد يوم وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم. وكانوا يشربون من لبنها كفايتهم , قال تعالى: {وَنَبِّئهُمْ أَنَّ المَاءَ قِسْمَةٌ بَـيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} (القمر: الآية 28)
ولهذا قال تعالى {إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} (القمر: الآية 27) أي اختباراً لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون {فَارْتَقِبْهُمْ} (القمر: الآية 27) أي انتظر ما يكون من أمرهم {وَاصْطَبِرْ} (القمر: الآية 27) على أذاهم فسيأتيك الخبر، قال لهم متى عقرتموها أهلككم الله فكان شرب الناقة يوماً وشرب قوم ثمود يوماً بالتناوب ، فإذا كان يوم شربها خلوا بينها وبين الماء وحلبوا لبنها وملأوا كل وعاء وإناء ، وإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئاً وتزودوا من الماء للغد . وحذّرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء
وأوحى الله إلى صالح أن قومك سيعقرون الناقة ، فأخبرهم أنهم سيعقرونها ويكون سبب هلاكهم ذلك ، فقالوا : ما كنا لنفعل . قال : إلا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها . قالوا : وما علامته ؟ فو الله لا نجده إلا قتلناه ! فذكر لهم صفة عاقرها وأنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر فبعثوا القوابل في البلد متى وجدوا مولوداً بهذه الصفة يقتلنه فكانوا على ذلك دهراً طويلاً وانقرض جيل وأتى جيل آخر. فلما كان في بعض الأعصار خطب رئيس من رؤسائهم لابنه - بنت آخر مثله في الرياسة فزوجه فولد بـينهما عاقر الناقة وهو قدار بن سالف، فلما وجد القوابل ذلك المولود بالصفة التي أخبر بها صالح صرخ النسوة وقلن هذا الذي يريد نبي الله صالح ، فأرادت القوابل أن يأخذوه فحال جداه وأبيه بينهم وبينه وقالوا : لو أراد صالح هذا لقتلناه . فكان شر مولود , ولم تتمكن القوابل من قتله لشرف أبوه وجدّيه فيهم فنشأ نشأة سريعة فكان يشب في الجمعة كما يشب غيره في شهر حتى كان من أمره أن خرج مطاعاً فيهم رئيساً بـينهم فسوّلت له نفسه عقر الناقة
وأما سبب قتل الناقة:
أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما: صدوق بنت المحيا ابن زهير بن المختار، وكانت ذات حسب ومال وكانت تحت رجل ممن أسلم، ففارقته فدعت ابن عم لها يقال له: مصرع بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إنْ هو عقر الناقة، واسم المرأة الأخرى: عُنَيْزَة بنت غُنَيْم بن مَجْلَزٍ، وتُكَنّى أم عثمان، وكانت عجوزاً كافرة لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء الكفار أصحاب الأصنام فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة، فله أي بناتها شاء، فانتدب هذان الشابان لعقرها، فجلس قدار بن سالف وهو رئيسهم مع نفر يشربون الخمر فلم يقدروا على ماء يمزجون به خمرهم لأنه كان يوم شرب الناقة ، فحرض بعضهم بعضاً على قتلها، وسعوا في قومهم وبقية القبـيلة بذلك وحسّنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم ، فاجتمع ملؤهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها ويتوفّر عليهم ماؤهم، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم
فانطلقوا يرصدون الناقة، وقصدوها وهي على حوضها ، فقال الشقي لأحدهم : اذهب فاعقرها ، فأتاها ، فتعاظمه ذلك ، فأضرب عنه ، وبعث آخر فأعظم ذلك وجعل لا يبعث أحداً إلا تعاظمه قتلها فلمّا صدرت من وِرْدِها كَمَن لها مُصْرعٌ، فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها، وجاء النساء يزمرن القبـيلة في قتلها وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم فابتدرهم قدار بن سالف فشدّ عليها بالسيف، فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض ورغت رغاة واحدة عظيمة ، ثم طعن في لبتها فنحرها وكان قتلها يوم الأربعاء ، فلما قتلت أتى رجل منهم صالحاً فقال : أدرك الناقة فقد عقروها ، فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه : يا نبي الله إنما عقرها فلان إنه لا ذنب لنا ! قال : انظروا هل تدركون فصيلها ؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب . فخرجوا يطلبونه ، ولما رأى الفصيل أمه تضطرب قصد جبلاً قصيراً فصعده, شرد ولد الناقة عنهم، فعلاً أعلى الجبل هناك، وذهبوا يطلبونه ، فأوحى الله إلى الجبل فطال في السماء حتى ما يناله الطير ، ودخل صالح القرية ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم استقبل صالحاً ورغاً ثلاث مرات، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم قال الله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ } (القمر: الآيتان 29 - 30)
وقال تعالى: {إِذ انْبَعَثَت أَشْقَاهَا }: (الشمس: الآيتان 12 - 13) إِذِ انبعث لها رجل عزيز هو رئيس منيع مطاع في قومه , قال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنَتَ مِنَ المُرْسَلِينَ} (الأعراف: الآية 77) فجمعوا في كلامهم هذا بـين كفر بليغ حيثُ خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية. واستعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه وكذّبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوّته وصدقه، وهم يعلمون ذلك علماً جازماً {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } (الشمس: 14 - 15)
وحملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم.
{ فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (هود: غير يومهم ذلك، فلم يصدقوه أيضاً في هذا الوعد الأكيد، بل لما أمسوا همّوا بقتله وأرادوا فيما يزعمون أن يُلْحِقُوه بالناقة {وَكَانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعةُ رَهْطٍ يُفسِدُونَ فِي اْلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} (النمل: الآية 48) قالوا تعالوا فلنقتل صالحاً فإن كان صادقاً عجلنا قتله ، وإن كان كاذباً ألحقناه بالناقة ،{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللّهِ لَنُبَـيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} (النمل: الآية 49)
أي لنكبسنه في داره مع أهله فلنقتلنه ثم نجحدنّ قتله وننكرنّ ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه. ولهذا قالوا: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (النمل: الآية 49)
فأتوه ليلاً في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة فهلكوا سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم ، {وَمَكَرُوا مَكْرَاً وَمَكَرْنا مَكْرَاً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } (النمل: الآيات 50 -53)فأتى أصحابهم فرأوهم هلكى فقالوا لصالح أنت قتلتهم ، وأرادوا قتله ، فمنعهم عشيرته وقالوا : إنه قد أنذركم العذاب ، فإن كان صادقاً فلا تزيدوا ربكم غضباً وإن كان كاذباً فنحن نسلمه إليكم ، فعادوا عنه وأصبحت ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرّة صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم كما أنذرهم صالح عليه السلام، فلما أمسوا نادوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل. وهو يوم الجمعة ووجوههم محمّرة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يومان من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى الأجل فلما كان صبـيحة يوم الأحد اليوم الرابع تحنّطوا وتأهبّوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحلّ بهم من العذاب والنكال والنقمة ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء والأرض لا يدرون كيف يفعل بهم، ولا من أي جهة يأتيهم العذاب ،، فلما أَشْرَقَتَ الشمس جاءتهم صيحة من السماء فيها صوت كالصاعقة من فوقهم ورجفة شديدة من أسفل منهم فتقطعت قلوبهم في صدورهم ففاضت الأرواح وزُهِقَت النفوس وسَكَنَت الحركات، وخَشَعَت الأصوات وحَقّت الحقائق فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها، ولم يبقَ منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة واسمها كَلْبَةُ بنتُ السَّلْقِ. ويقال لها الذريعة وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلّما رأت العذاب أطلقت رجلاها فقامت تسعى كأسرع شيء فأتت حيّاً من العرب، فأخبرتهم بما رأت وما حلّ بقومها واستسقتهم ماء فلما شربت ماتت. قال الله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنُوْا فِيهَا} (هود: الآية 68) أي لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُم أَلاَ بُعْدَاً لِثَمُودَ} (هود: الآية 68) أي نادى عليهم لسان القدر بهذا.
{ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا} (الشمس: الآيتان 14 - 15) قال تعالى {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِـي وَنُذُرِ} (القمر: 30) . قال الله تعالى:
{ َتِلْكَ بُـيُوتُهُمْ خَاوِيَةَ بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (النمل: الآيات 50 - 53)
وأهلك الله من كان بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلاً كان في الحرم فمنعه الحرم هو أبو رغال، وهو أبو ثقيف. فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه
وأما صالح ، عليه السلام ، فإنه سار إلى الشام فنزل فلسطين ثم انتقل إلى مكة فأقام بها يعبد الله حتى مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وكان قد أقام في قومه يدعوهم عشرين سنة .
ذكر مرور النبـي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك
ولما سار النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى تبوك أتى على قرية ثمود فقال لأصحابه : " لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ، وأراهم مرتقى الفصيل في الجبل وأراهم الفج الذي كانت الناقة ترد منه الماء " .
وفي رواية: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوكَ نزل بهم الحجر عند بـيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا القدور فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور وعلفوا العجين الإِبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عُذِّبوا: «إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ».