الرقى والتفويض
كيف نجمع بين الأحاديث التي تجيز الرقى وبين حديث الذين يدخلون الجنة
بغير حساب لا يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون ؟
الجواب إن جبرئيل رقى
النبي صلى الله عليه وسلم و الأحاديث في الرقى كثيرة ، وأما ما في
الحديث الآخر (في الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يرقون ولا يسترقون
وعلى ربهم يتوكلون) فقد يظن أنه
مخالفاً للأحاديث التي تجيز الرقى و لا مخالفة بل المدح في ترك
الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار والرقى المجهولة والتي
بغير العربية وما لا يعرف معناها فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر أو
قريب منه أو مكروه، وأما الرقي بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا
نهي فيه بل هو سنة، و النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتداوي
ومن أهل العلم من
قال في الجمع بين الأحاديث أن المدح في ترك الرقى للأفضلية
وبيان التوكل والذي فعل الرقى وأذن فيها لبيان الجواز مع أن تركها
أفضل، و الأفضلية تكون في حق الذي يستطيع أن يصبر على المرض و يفوض
أمره لله
فالتفويض أفضل لمن يقدر على
الصبر لحديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته امرأة سوداء
فقالت : إني أصرع وإني أنكشف فادع الله لي قال : إن شئت صبرت ولك الجنة
. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك قالت : أصبر "
فالتفويض أفضل مع الاقتدار على الصبر كما يفيده قوله : " إن شئت صبرت "
وأما مع عدم الصبر على المرض وصدور الحرج وضيق الصدر من المرض فالتداوي
و الرقي أفضل لأن فضيلة التفويض قد ذهبت بعدم الصبر .
شرح النووي 14/392 مع
تصريف
وقال صاحب المرقاة : إدامة الصبر مع المرض أفضل من العافية لكن بالنسبة
إلى يعض الأفراد ممن لا يعطله المرض عما هو بصدده عن نفع المسلمين و
ذكر أن التداوي لا ينافي التوكل إذ فيه مباشرة الأسباب و لأنه فعله صلى
الله عليه وسلم وهو سيد
المتوكلين
المرقاة4/50 عند شرح الحديث 1577
والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على أنه يجوز للإنسان أن يسترقي،
ويحمل الحديث الوارد في الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وهم الذين لا
يرقون ولا يسترقون على بيان الأفضلية واستحباب التوكل، والإذن لبيان
الجواز. ويمكن أن يجمع بحمل الأحاديث الدالة على ترك الرقية على قوم
كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في
أشياء كثيرة.
ذكره الشوكاني في نيل الأوتار باب الأجرة على القرب