أرواح المؤمنين في جولة النعيم العلوية
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
’’إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ‘‘
’’ نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ملائكة الرحمة‘‘
’’ تأتيه بحريرة بيضاء ‘‘ ’’ كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة ‘‘ ( [1] ) ’’ يجلسوا منه مد البصر ويجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة المطمئنة ‘‘( [2] )
’’ اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ‘‘ ’’اخرجي إلى روح الله
’’ الروح إذا قبض تبعه البصر ‘‘ ( [3] )
فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ‘‘ ( [4] )
’’ فيأخذها ملك الموت فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها
فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط
وتخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ‘‘
’’ تخرج كأطيب ريح مسك حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا فيشمونه ‘‘
’’ إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء
فيصعدون بها فلا يمرون على ملاء من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب
فيقولون فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا
حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا حتى يأتوا به باب السماء فيقولون ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من الأرض
فيستفتحون له فيفتح له أبواب السماء
فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان ( [5] )
وليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم
فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به ( [6] )
’’ فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض ‘‘ ( [7] )
’’ فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا ‘‘( [8] )
’’ فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ‘‘( [9] )
’’ حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة
فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ(19كِتَابٌ مَرْقُومٌ(20)يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ(21)}المطففين
وأعيدوه إلى الأرض في جسده ( [10] ) فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فيرد إلى مضجعه ‘‘
’’ تعاد روحه إلى جسده ‘‘( [11] )
’’ إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ‘‘ ’’ قالت قدموني قدموني ‘‘ ( [12] )
[1] وهو خليط من طيب المسك والعود والعنبر
[2]النفس هي الروح التي تقبض فقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم بالروح في رواية مسلم 6/ 462 {إن الروح إذا قبض تبعه البصر} وفي رواية له أيضاً بالنفس { ألم تروا إلى الإنسان إذا مات شخص بصره فذاك حين يتبع بصره نفسه } مسلم 6/ 462-463 قال النووي المراد بالنفس هنا الروح وقال القاضي أن الموت ليس بإفناء وإعدام وإنما هو انتقال وتغير حال وإعدام الجسد دون الروح إلا ما استثنى من عجب الذنب وفيه حجه لمن يقول الروح والنفس بمعنى , الألوسي في تفسيره ج 11 / ص 80 قال حكى ابن زيد عن أكثر العلماء أنهما شيء واحد
[3]قال في الديباج على مسلم ج 3 / ص 10 ذكر كثير من أن الروح لها اتصال بالبدن وإن كانت خارجة فيرى ويسمع ويعلم ويرد السلام ويكون هذا الحديث من أقوى الأدلة على ذلك
قال ابن تيمية في مجموع فتاوى ج 1 / ص 329 روح الآدمي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة وقد حكي إجماع العلماء على أنها مخلوقة غير واحد من أئمة المسلمين مثل محمد بن نصر المروزي الإمام المشهور الذي هو أعلم أهل زمانه بالإجماع والاختلاف وكذلك أبو محمد بن قتيبة في " كتاب اللقط " لما تكلم عن خلق الروح قال أجمع الناس على أن الله خالق الجثة وبارئ النسمة أَي خالق الروح وقد تكلم في هذه المسألة طوائف من أكابر العلماء والمشايخ وردوا على من يزعم أنها غير مخلوقة وقد نص على ذلك الأئمة الكبار
ولا اختصاص للروح بشيء من الجسد، بل هي سارية في الجسد كما تسري الحياة التي هي عرض في جميع الجسد , فإن الحياة مشروطة بالروح , فإذا كانت الروح في الجسد كان فيه حياة، وإذا فارقته الروح فارقته الحياة
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في موضع أخر ومذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر سلف الأمة وأئمة السنة أن الروح عين قائمة بنفسها، تفارق البدن، وتنعم، وتعذب، وليست هي البدن، ولا جزء من أجزائه
[4] تخرج بكل سهولة ويسر كما لو أكفئت كأس من الماء هل يحتاج خروج الماء منه مشقة لا. بكل سهولة ويسر فكذلك النفس الطيبة تخرج بكل سهولة ويسر لأنها تنتظر هذا اليوم فهي تحب الله وتنتظر لقاءه
من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال شريح أتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا إن كان كذلك فقد هلكنا قالت وما ذاك قال’’ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ولكن ليس منا أحد إلا وهو يكره الموت قالت قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا طمح البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ‘‘مسلم 17/13 ، ابن ماجة4264 , الألباني صححه في صحيح الجامع 5964 وفي رواية قال ’’ ذاك عند موته إذا بشر برحمة الله ومغفرته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإذا بشر بعذاب الله كره لقاء الله وكره الله لقاءه ‘‘ النسائي 1837 , الألباني صححه في صحيح سنن النسائي 1838
أَن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه ، وما أعد له ، ويكشف له عن ذلك ، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله ، لينتقلوا إلى ما أعد لهم ، ويحب الله لقاءهم ، أَيْ فيجزل لهم العطاء والكرامة ، وأهل الشقاوة يكرهون لقاؤه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ، ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم ْذكره النووي في شرح مسلم 17/13
[5] ابن ماجة 4262 , حسنه الألباني في المشكاة 1627
[6] النسائي 1832 , صححه الألباني في الصحيحة 1309
السيوطي في شرح الصدور بحال الموتى والقبور343 ذكر ملاقاة الأرواح للميت إذا خرجت روحه واجتماعهم به وسؤالهم له
’’ يأتوا به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائب بغائبهم فيقولون ما فعل فلان فيقولون دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا فيقول قد مات أما أتاكم فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية ‘‘ ابن حبان 3014 , صححه الألباني في الترغيب 3559
وابن تيمية في الفتاوى 24/ 368 قد تجتمع الأرواح مع تباعد المدافن وقد تفترق مع تقارب المدافن
[7] الأرواح قسمان أرواح معذبة وأرواح منعمة فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها ذكره الألوسي في الآيات البينات ج 1 / ص 91
[8] تهذيب الآثار الطبري باب حين ينزل بالمؤمن الموت , البزار , وصحح إسناده الألوسي في تفسيره ج 11 / ص 80
[9] الملائكة فيهم تفضيل هناك جبريل رئيس الملائكة له ستمائة جناح الجناح الواحد يسد الأفق بعده في الوجاهة ميكائيل وإسرافيل هناك حملة العرش هناك ملائكة لها من الأجنحة مثنى وثلاث ورباع فكما فينا نحن البشر اختلاف فينا الغفير والوزير فينا الأمير والضعيف وما بين ذلك . فانظر من الذي يشيع الروح الطيبة الوجهاء من الملائكة لكل سماء الأفاضل المقربون منهم يقوموا بمراسم التوديع لهذه الروح الطيبة إلى السماء التي تليها
[10] الإنسان عبارة عن الروح والبدن معاً وللروح بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام أحدهما: تعلقها به في بطن الأم جنينا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به حال النوم, فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ, فإنها وإن فارقته وتجردت عنه, فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى إليه التفات البتة, فقد دلت الأحاديث على ردها إليه عند سؤال الملكين وعند سلام المسلم، وهذا الرد إعادة خاصة لا توجب حياة البدن قبل يوم القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم يبعث الأجساد، وهو أكمل تعلقاتها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه, إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا.
[11] ترد روح الميت إليه في قبره حين السؤال، ويجلس ويستنطق، وعود الروح إلى بدن الميت ليس مثل عودها إليه في هذه الحياة الدنيا، وإنما عودة للروح بالبدن لحياة يحصل بها الامتحان بالسؤال وإن كان ذاك قد يكون أكمل من بعض الوجوه, كما أن النشأة الأخرى ليست مثل هذه النشأة، وإن كانت أكمل منها، بل كل موطن في هذه الدار وفي البرزخ والقيامة له حكم يخصه، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يوسع له في قبره ويسأل ونحو ذلك، وإن كان التراب قد لا يتغير, فالأرواح تعاد إلى بدن الميت وتفارقه, ذكر ذلك الشيخ الفوزان في الإرشاد لمجمل صحيح الاعتقاد عند تعلقات الروح بالبدن
[12] البخاري 1380
هنا أثناء رحلة الروح هذه منذ خروجها حتى إعادتها للجسد في القبر للسؤال أقربائه وأصحابه منشغلون بتجهيز الجسد من غسل وتكفين وصلاة وتقبير كما انشغلت الملائكة بتجهيز الروح كما مر معنا من تكفين أيضاً وتحنيط وصلاة وصعود بها إلى السماء