توحيد الألوهية
توحيد الألوهية هو أفراد الله تعالى بجميع أنواع
العبادة
فالألوهية هي العبادة والإله معناه المعبود ولهذا يسمى
هذا النوع من التوحيد توحيد العبادة
والعبادة في اللغة هي الذل يقال طريق معبد إذا كان
مذللاً قد وطأته الأقدام
وأما معنى العبادة شرعاً
فقد اختلفت عبارات العلماء في ذلك مع اتفاقهم على المعنى
فعرفها طائفة منهم بأنها ما أمر به شرعاًً من غير
اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي
وعرفها بعضهم: بأنها كمال الحب مع كمال الخضوع.
وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بأنها اسم
جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
وهذا التعريف أدق وأشمل؛ فالدين كله داخل في العبادة،
ومن عرفها بالحب مع الخضوع؛ فلأن الحب التام مع الذل التام يتضمنان
طاعة المحبوب والانقياد له؛ فالعبد هو الذي ذلله الحب والخضوع لمحبوبه،
فبحسب محبة العبد لربه وذله له تكون طاعته؛ فمحبة العبد لربه وذله له
يتضمنان عبادته له وحده لا شريك له.
فالعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، وهي
تتضمن ثلاثة أركان هي: المحبة والرجاء والخوف، ولا بد من اجتماعها؛
فمن تعلق بواحد منها فقط؛ لم يكن عابدا لله تمام العبادة؛ فعبادة الله
بالحب فقط هي طريقة الصوفية، وعبادته بالرجاء وحده طريقة المرجئة،
وعبادته بالخوف فقط طريقة الخوارج.
والمحبة المنفردة عن الخضوع لا تكون عبادة؛ فمن أحب
شيئا ولم يخضع له؛ لم يكن عابدا؛ كما يحب الإنسان ولده وصديقه، كما أن
الخضوع المنفرد عن المحبة لا يكون عبادة؛ كمن يخضع لسلطان أو ظالم
اتقاء لشره. ولهذا لا يكفي أحدهما عن الآخر في عبادة الله تعالى، بل
يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من
كل شيء.
والعبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له، وهي
التي خلق الخلق من أجلها؛ كما قال تعالى: {وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ،
وبها أرسل جميع الرسل؛ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .
العبادة لها أنواع كثيرة
فالصلاة, والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء
الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى
الحيوان والأيتام والمساكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين
والبهائم، والدعاء، والذكر، والقرآن؛ كل ذلك من العبادة، وكذلك حب الله
وحب رسوله، وخشية الله والإنابة إليه؛ كل ذلك من العبادة، وكذلك الذبح
والنذر والاستعاذة والاستعانة والاستغاثة.
فيجب صرف العبادة بجميع أنواعها لله وحده لا شريك له؛
فمن صرف منها شيئا لغير الله؛ كمن دعا غير الله، أو ذبح أو نذر لغير
الله، أو استعان أو استغاث بميت أو غائب أو بحي حاضر فيما لا يقدر عليه
إلا الله؛ فقد أشرك الشرك الأكبر وأذنب الذنب الذي لا يغفر إلا
بالتوبة، سواء صرف هذا النوع من العبادة لصنم أو لشجر أو لحجر أو لنبي
من الأنبياء أو ولي من الأولياء حي أو ميت؛ كما يفعل اليوم عند الأضرحة
المبنية على القبور؛ فإن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد؛ لا
ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ولا غيرهم: قال تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ، وقال
تعالى: {فَلَا تَدْعُوا
مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .
ومع الأسف الشديد؛ فقد اتخذت القبور اليوم في بعض
البلاد أوثانا تعبد من دون الله ممن يدعون الإسلام... وقد يدعو
أحدهم غير الله في أي مكان، ولو لم يكن عند قبر؛ كمن يقول: يا رسول
الله! عند قيامه أو مفاجأته بشيء غريب!! أو يقول: المدد يا
رسول الله! أو: يا فلان... وإذا نهوا عن ذلك؛ قالوا: نحن
نعلم أن هؤلاء ليس لهم من الأمر شيء، ولكن هؤلاء أناس صالحون، لهم جاه
عند الله، ونحن نطلب بجاههم وشفاعتهم!! ونسي هؤلاء أو تناسوا- وهم
يقرءون القرآن- أن هذا بعينه قول المشركين؛ كما ذكره الله في القرآن في
قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ
وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ
أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا
فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
، وقوله تعالى: {أَلَا
لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ
زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}
، فسماهم كفارا كذبة، وهم يعتقدون أن هؤلاء الأولياء مجرد وسائط بينهم
وبين الله في قضاء حوائجهم، وهذا ما يقوله عباد القبور اليوم،
{تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} .
فالواجب على علماء الإسلام أن ينكروا هذا الشرك الشنيع
ويبينوه للناس، والواجب على حكام المسلمين هدم هذه الأوثان وتطهير
المساجد منها.
وقد أنكر كثير من الأئمة المصلحين هذا الشرك ونهوا عنه
وحذروا وأنذروا، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن
القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني،
والشيخ محمد بن علي الشوكاني... وكثير من الأئمة قديما وحديثا،
وهذه مؤلفاتهم بين أيدينا.
وفي ذلك يقول الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار":
"وكم سرى من تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام،
منها اعتقاد الجهلة كاعتقاد الكفار للأصنام وأعظم من ذلك، فظنوا أنها
قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج
وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا
إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا، وبالجملة: إنهم لم يدعوا شيئا
مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه؛ فإنا لله وإنا إليه
راجعون.
ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب
لله ويغار حمية للدين الحنيف؛ لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا
ولا ملكا!!
ولقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا
من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه؛ حلف
بالله فاجرا، وإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي
الفلاني؛ تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق!! وهذا من أبين الأدلة
الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين،
أو ثالث ثلاثة.
فيا علماء الدين! ويا ملوك المسلمين!
أي رزء للإسلام أشد من الكفر؟! وأي بلاء لهذا
الدين أضر عليه من عبادة غير الله؟! وأي مصيبة يصاب بها المسلمون
تعدل هذه المصيبة؟! وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك
البين واجبا؟!
لقد أسمعـت لو ناديت حيـا **
ولكن لا حياة لمن تنـادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت **
ولكن أنت تنفخ فى رمـاد
انتهى كلام الشوكاني رحمه الله.