بيان ألفاظ لا يجوز
أن تقال في حق الله
تعالى تعظيما لشأنه
الله جل وعلا عظيم يجب أن يعظم، وهناك ألفاظ لا يجوز
أن تقال في حقه سبحانه تعظيما له، وقد ورد النهي عنها:
فمن هذه الألفاظ: أنه لا يقال: السلام على الله؛
لأن السلام دعاء للمسلم عليه بطلب السلامة له من الشرور، والله سبحانه
يطلب منه ذلك ولا يطلب له، ويدعى ولا يدعى له؛ لأنه المغني، له ما في
السماوات والأرض، وهو السالم من كل عيب ونقص، ومانح السلامة ومعطيها،
وهو السلام، ومنه السلام.
وفي "الصحيح"عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال:
كنا إذ كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الصلاة؛ قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على
فلان وفلان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا السلام
على الله؛ فإن الله هو السلام) ؛ أي: إن الله سالم من كل
نقص.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "السلام مصدر،
وهو من ألفاظ الدعاء، يتضمن الإنشاء والإخبار؛ فجهة الإخبارية تناقض
الجهة الإنشائية، وهو معنى السلام المطلوب عند التحية...".
إلى أن قال: "والمقام لما كان مقام طلب السلامة
التي هي أهم عند الرجل؛ أتى في طلبها بصيغة اسم من أسماء الله تعالى،
وهو السلام الذي تطلب منه السلامة، فتضمن معنيين: أحدهما: ذكر
الله... والثاني: طلب السلامة، وهو مقصود المسلم".
ومن الألفاظ التي لا تقال في حق الله تعالى: اللهم
اغفر لي إن شئت. فطلب الحاجة من الله لا يعلق على المشيئة، وإنما
يجزم به.
وفي "الصحيح"عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا
يقل أحدكم اللهم! اغفر لي إن شئت اللهم! ارحمني إن شئت ليعزم
المسألة؛ فإن الله لا مكره له) .
ولمسلم: "وليعظم
الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".
والنهي عن ذلك لأمرين:
الأول. أن الله سبحانه لا مكره له على الفعل، وإنما
هو يفعل ما يريد؛ بخلاف العبد؛ فإنه قد يفعل الشيء وهو كاره، ولكن
يفعله لخوف أو رجاء من أحد، والله ليس كذلك.
الثاني. أن التعليق على المشيئة يدل على فتور في
الطلب وقلة رغبة فيه؛ فإن حصل، وإلا؛ استغنى عنه، وهذا يدل على عدم
الافتقار إلى الله. وفي رواية مسلم الأمر بتعظيم الطلب؛ لأن الله لا
يتعاظمه شيء أعطاه؛ أي: لا يكبر عليه سبحانه ولا يعسره، وليس عنده
بعظيم، وإن عظم في نفس المخلوق، وذلك لكمال فضله وجوده وسعة غناه، فهو
يعطي العظائم، ولا يعجزه شيء، {إِنَّمَا
أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
.
ومن الألفاظ التي لا تقال في حق الله تعالى: الإقسام
على الله إذا كان على جهة الحجر عليه أن لا يفعل الخير!
عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (قال
رجل والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل من ذا الذي يتألى علي
ألا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك) . رواه
مسلم.
والتألي من الألية - بتشديد الياء - وهي اليمين، ومعنى
يتألى: يحلف، وقوله: "من ذا الذي": استفهام إنكار.
وهذا الرجل أساء الأدب مع الله، وحكم عليه وقطع أنه لا
يغفر لهذا المذنب، فكأنه حكم على الله سبحانه، وهذا من جهله بمقام
الربوبية، واغتراره بنفسه وبعمله وإدلاله بذلك، فعومل بنقيض قصده، وغفر
لهذا المذنب بسببه، وأحبط عمله بسبب هذه الكلمة السيئة التي قالها، مع
أنه كان عابدا.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: تكلم بكلمة أو بقت
دنياه وآخرته.
ففي الحديث: وجوب التأدب مع الله سبحانه في الأقوال
والأفعال، وتحريم الإدلال على الله والإعجاب بالنفس واحتقار الآخرين،
وتحريم الحلف على الله إذا كان على جهة الحجر عليه أن لا يفعل الخير
بعباده، أما إذا كان الحلف على الله على جهة حسن الظن به سبحانه ورجاء
الخير منه؛ فهذا جائز؛ كما جاء في الحديث: "إن من عباد الله من لو
أقسم على الله لأبره".
وفي حديث جندب بيان خطر اللسان ووجوب التحفظ منه.
وعن معاذ رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! وإنا
لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: (ثكلتك
أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على
مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) . رواه الترمذي وصححه.
ومما سبق يتبين أنه يجب التحفظ في الألفاظ والابتعاد
عن اللفظ الذي فيه سوء أدب مع الله سبحانه؛ لأن هذا يخل بالعقيدة وينقص
التوحيد؛ فلا يقال: السلام على الله؛ لأنه هو السلام سبحانه، ولأن
السلام على أحد دعاء له بالسلامه، والله سبحانه يدعى ولا يدعى له.
ولا يقال: اللهم اغفر لي وارحمني إن شئت... ونحو ذلك، بل كل
دعاء يؤتى به على سبيل الجزم بلا تعليق بالمشيئة؛ لأن الله يفعل ما
يشاء ولا مكره له. وأنه لا يقسم على الله أن لا يرحم فلانا أو يغفر
لفلان؛ لأن هذا حظر ومنع لرحمة الله، وسوء ظن بالله عز وجل. كما أنه
لا يجوز أن يقال: ما شاء الله وشاء فلان، وإنما يقال: ما شاء الله
ثم شاء فلان؛ لأن العطف بالواو يقتضي المشاركة، ولا أحد يشارك الله
سبحانه ويساويه في أمر من الأمور، وأما العطف بـ (ثم)؛ فإنه يقتضي
الترتيب والتبعية، فتكون مشيئة المخلوق تابعة لمشيئة الله سبحانه
وحاصلة بعدها وليست مشاركة لها.
وكل هذا مما يؤكد على المسلم وجوب دراسة العقيدة
ومعرفة ما يصححها وما يخل بها حتى يكون على بينة من أمره وحتى لا يقع
في المحذور وهو لا يشعر.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح