مراتب القضاء والقدر
مراتب القضاء والقدر أربع: من شفاء العليل ص 29 ما
ملخصه.
الأولى: علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها.
الثانية: كتابته لها قبل كونها.
الثالثة: مشيئته لها.
الرابعة: خلقه لها. أ. هـ.
فأما المرتبة الأولى: فقد اتفقت عليها جميع الرسل من أولهم إلى خاتمهم،
وهذه المرتبة كان ينكرها طائفتان:
الأولى: من ينفي علمه بالجزئيات، وهم الفلاسفة.
الثانية: غلاة القدرية الذين قالوا: إن الله لا يعلم أعمال العباد حتى
يعملوها، ولم يكتبها أو يقدرها فضلاً عن أن يخلقها.
المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة، وهي أن الله كتب في اللوح المحفوظ ما
هو كائن إلى يوم القيامة.
وهذه المرتبة هي مرتبة التقدير والتقادير خمسة أنواع:
النوع الأول: التقدير العام، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ الذي كان
قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء قال شيخ
الإسلام رحمه الله: علم الله تعالى السابق ثابت لا يتغير وأما الصحف
التي بأيدي الملائكة فيلحقها المحو والإثبات وأما اللوح المحفوظ فهل
يلحقه ذلك؟ على قولين:
النوع الثاني: تقدير أرزاق العباد وآجالهم وأعمالهم قبل أن يخلقهم.
النوع الثالث: تقدير ما ذكر على الجنين في بطن أمه.
قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل ص 22: فاجتمعت هذه الأحاديث
والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته، وهو في بطن أمه،
واختلفت في وقت هذا ففي حديث ابن مسعود أنه بعد مائة وعشرين يوماً من
حصول النطفة في الرحم وحديث أنس غير مؤقت وحديث حذيفة بن أسيد وقِّت
فيه التقدير بأربعين يوماً ، وفي لفظ بأربعين ليلة، وفي لفظ باثنتين
وأربعين ليلة، وفي لفظ بثلاث وأربعين ليلة. وهو حديث تفرد به مسلم.
ثم قال في وجه الجمع بينهما: إن هناك تقديرين:
أحدهما: سابق لنفخ الروح وهو المتعلق بشأن النطفة إذا بدأت بالتخليق
وهو العلق.
والثاني: حين نفخ الروح: وهو المتعلق بشأنها حين تتعلق بالجسد.
أي فصار التقدير معلقاً بمبدأ الجسد ومبدأ الروح.
النوع الرابع: التقدير السنوي ، وهو ما يكون ليلة القدر.
النوع الخامس: التقدير اليومي.
فالتقديرات خمسة: يومي، وحولي، وعمري، عند تعلق النفس بالبدن وعند
تخليقه، وتقدير قبل وجود ابن آدم بعد خلق السموات والأرض، وتقدير قبل
خلق السموات والأرض، وكل هذه تفاصيل للتقدير السابق.
المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة، وهي عموم مشيئة الله تعالى.
وقد نفى المشيئة إطلاقاً طوائف من الفلاسفة وأتباعهم، ونفاها القدرية
المعتزلة بالنسبة إلى أفعال العباد فقط.
المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق وهي عموم خلق الله لكل ما سواه، وقد سبق
الكلام عليها.
فائدة:
الرضا بالقضاء الذي هو وصف الله وفعله واجب مطلقاً، لأنه من تمام الرضا
بالله رباً.
وأما القضاء الذي هو المقضي فالرضا به مختلف.
فإن كان المقضي دينياً وجب الرضا به مطلقاً.
وإن كان كونياً فإما أن يكون نعماً أو نقماً أو طاعات أو معاصي.
فالنعم يجب الرضا بها لأنه من تمام شكرها، وشكرها واجب.
وأما النقم كالفقر والمرض ونحوهما، فالرضا بها مستحب عند الجمهور وقيل
بوجوبه.
وأما الطاعات فالرضا بها طاعة واجبة إن كانت الطاعة واجبة ومستحبةإن
كانت مستحبة . وأما المعاصي فالرضا بها معصية،والمكروهات الرضا بها
مكروه،والمباحات مباح والله أعلم.
فائدة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه أقوم ما قيل ص 141 من القسم الثالث
من مجموعة رسائله قال:
ومن توهم منهم أي من القدرية أو من نقل عنهم أن الطاعة من الله
والمعصية من العبد فهو جاهل بمذهبهم، فإن هذا لم يقله أحد من علماء
القدرية ولا يمكن أن يقوله فإن أصل قولهم أن فعل العبد للطاعة كفعله
للمعصية كلتاهما فعله بقدرة تحصل له من غير أن يخصه بإرادة خلقها فيه،
فإذا احتجوا بهذه الآية على مذهبهم كانوا جاهلين بمذهبهم ويعني بالآية
قوله تعالى: ) ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك (
إلى قوله : فإن عندهم الحسنة المفعولة والسيئة المفعولة من العبد لا من
الله أ. هـ.
ورأيت في تفسير ابن كثير رحمه الله ص 267 ج 4 عند قوله تعالى:
) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له :
إن رجلاً قدم علينا يكذب بالقدر فقال : دلوني عليه وهو أعمى، قالوا:
وما تصنع به يا أبا عباس قال: والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضن
أنفه حتى أقطعه، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنها فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تصطفق
ألياتهن مشركات هذا أول شرك هذه الأمة والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء
رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيراً كما أخرجوه من أن يكون قدر
شراً " رواه أحمد.
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ص 96 ج 4 :
والناس في المعاد على أربعة أقوال:
أحدها إثبات معاد الروح والبدن وهو مذهب المسلمين من الصحابة والتابعين
لهم بإحسان.
الثاني أن المعاد للأبدان فقط قاله كثير من المتكلمين من الجهمية
والمعتزلة وغيرهم.
الثالث أن المعاد للروح وحدها وهو قول الفلاسفة المشركين لم يقله أحد
من أهل الملل لا المسلمون ولا اليهود ولا النصارى، فإنهم كلهم متفقون
على إعادة الأبدان وعلى القيامة الكبرى، وأهل هذا القول منهم من يقول
بأن الأرواح تتناسخ إما في أبدان الآدميين أو أبدان الحيوان مطلقاً أو
في جميع الأجسام النامية أو أن التناسخ في الأنفس الشقية فقط، وكثير من
محققيهم ينكر التناسخ.
القول الرابع إنكار المعادين جميعاً كما قاله أهل الكفر من العرب
واليونان والهند والترك وغيرهم.
فائدة:
قال الشيخ تقي الدين في الجزء الأول من الرسائل ص 59:
وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة أو الإجماع يقال: هي
كفر قولاً يطلق كما دل على ذلك الدليل الشرعي، فإن الإيمان من الأحكام
المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم
وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى يثبت في
حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه. مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال
لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاماً أنكره ولم
يعتقد أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف
ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ذلك وكما
كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك، حتى يسألوا عن ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني
وذروني في اليم لعلي أضل عن الله تعالى ونحو ذلك.
فإنهم لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة، كما قال تعالى: ) لئلا
يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (. وقد عفا الله لهذه الأمة عن
الخطأ والنسيان رحمةٌ الله رحمة كبيرة.
فائدة:
وجدت في مجلة التمدن الإسلامي الصادرة في رمضان سنة 1378هـ 756 تحت
عنوان: "سد يأجوج ومأجوج" ما نصه:
توجد في العتبة الواقعة بين بحر الخزر والبحر الأسود سلسلة جبال توقان،
كأنها جدار طبيعي وقد سد هذا الجدار الجبلي الطريق الموصلة بين الشمال
والجنوب إلا طريقاً واحداً بقي مفتوحاً، هو مضيق دار بال، بين ولايتي
كيوكز وتفليس حيث يوجد الآن جدار حديدي من قديم الأزمان.
أ.هـ. وذكر أنه منقول من كتاب شخصية ذي القرنين من منشورات دار البصري
في بغداد.
فائدة:
الأنبياء المذكورون في القرآن الكريم هم المذكورون في الأبيات، وهم
خمسة وعشرون نبياً.
حتم على كل ذي التكليف معرفة بأنبياء على التفصيل قد علموا
في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو
إدريس هود شعيب صالح وكذا ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
وعد ذي الكفل منهم، فيه خلاف مشهور بين العلماء، فقيل : رجل صالح وقيل
: نبي، وتوقف ابن جرير في ذلك والله أعلم.
فائدة:
إن قيل : ما الفائدة في قص إهلاك الأمم علينا مع أن هذه الأمة لن تهلك
كما هلكوا على سبيل العموم؟
فالجواب أن لذلك فائدتين:
إحداهما: بيان نعمة الله علينا برفع العذاب العام عنا وأننا مستحقون
لذلك لولا منة الله.
الثاني: أن مثل عذابهم قد يكون لمن عمل عملهم في يوم القيامة إذا لم
تحصل العقوبة في الدنيا، ولعله يفهم من قوله تعالى: ) وكذلك أخذ ربك
إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد . إن في ذلك لآية لمن خاف
عذاب الآخرة( . فلعل ظاهره أن مثل هذا العذاب يكون في الآخرة والله
أعلم.
فائدة:
لسوء التصرف سببان:
أحدهما: نقص العلم وهو الجهل.
والثاني: نقص الحكمة وهو السفه المنافي للرشد.
ولذلك وصف الله نفسه بالحكمة والخبرة في قوله تعالى: ) كتابأحكمت آياته
ثم فصلت من لدن حكيم خبير ( وفي هذا دليل على أن القرآن الكريم جامع
بين العلم والحكمة.
فائدة:
من المنتقى في باب ما جاء في الأجرة على القرب عن خارجة بن الصلت عن
عمه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل راجعاً من عنده فمر على
قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله: إنا قد حدثنا أن صاحبكم
هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء نداويه؟ قال: فرقيته بفاتحة الكتاب ثلاثة
أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة، فأتيت النبي صلى الله عليه
وسلم، فأخبرته فقال: " خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية
حق" رواه أحمد وأبو داود، قال في نيل الأوطار : رجاله رجال الصحيح إلا
خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان أ.هـ.
قلت وفيه دليل على جواز قول الرجل : لعمري.
فائدة:
روى مسلم عن عطاء عن جابر في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم العيد وأنه
أتى النساء فوعظهن، فقيل لعطاء : أحقاً على الإمام الآن أن يأتي النساء
حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: أي لعمري إن ذلك لحق عليهم، وما لهم لا يفعلون
ذلك؟ ذكره مسلم في صلاة العيدين.
ففيه إفراد النساء بالموعظة وجواز قول : لعمري على رأي عطاء رحمه الله.
فائدة:
في صحيح مسلم ص 197 ج 5: أن نجدة كتب لابن عباس يسأله عن خمس خلال هل
كان النبي صلى الله عليه وسلم، يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟
وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتي ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فقال
ابن عباس لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه، فكتب إليه، كتبت تسألني هل
كان النبي صلى الله عليه وسلم، يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين
الجرحى ويحذين من الغنيمة. وأما بسهم فلم يضرب لهن رسول الله صلى الله
عليه وسلم. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان فلا
تقتل الصبيان. وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل
لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه
من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم. وكتبت تسألني عن الخمس لمن
هو ؟ وإنا كنا نقول : هو لنا فأبى علينا قومنا ذاك أ.هـ. فيه دليل على
جواز قول لعمري.
فائدة:
إذا أضاف الإنسان الشيء إلى سببه الصحيح المعلوم من غير واو العطف
الدالة على التشريك فلا بأس به.
ويدل عليه ما رواه البخاري: أن العباس بن عبد المطلب، قال للنبي صلى
الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمل أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك.
قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار
ورواه مسلم بهذا اللفظ.
وقريب من هذا قوله صلى الله عليه وسلم: " لولا الهجرة لكنت امرأً من
الأنصار" .
فائدة:
اتفق العلماء على أن كراهة عبدي وأمتي للتنزيه حتى أهل الظاهر ، ويستدل
بقوله تعالى : )والصالحين من عبادكم وإمائكم ( . على أن المنهي هو
السيد خشية التطاول. أما غيره فلا لأنه إنما يقصد التعريف غالباً.
وقد زاد مسلم في حديث النهي، ولا يقل : مولاي فإن مولاكم الله.
وهذه الزيادة قد بين مسلم الاختلاف فيها على الأعمش، فمنهم من ذكرها
ومنهم من حذفها. وقال عياض: حذفها أصح. وقال القرطبي: المشهور حذفها.
أما كلمة الرب فقد قال الخطابي: إن غير العاقل لا يكره إضافتها إليه
كرب الدار ونحوه وقال ابن بطال : لا يجوز أن يقال لأحد غير الله : رب
كما لا يجوز إله.أ.هـ.
هذا وقد ورد في الحديث إذا ولدت الأمة ربتها فدل على أن النهي عن
الإطلاق. ويحتمل أنه للتنزيه. وما ورد فلبيان الجواز.
وقيل : إن الجواز خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل : إن النهي عن الإكثار من ذلك، ولعل هذا أقرب الاحتمالات،
لقوله: " لا يقل أحدكم : أطعم ربك، وضىء ربك" لأن الطعام والوضوء يكثر
تكررهما.
ولا ريب أنه إذا خشي المحذور من استعمال الكلمتين قوي النهي والكراهة،
وربما وصلت إلى التحريم وكلما بعد المحذور بعدت الكراهة وربما زالت إذا
زال والله أعلم.
تم بحمد الله