من الأصل السادس في العقيدة
الإيمان بالقضاء والقدر
القضاء والقدر وموضوع المعاصي
"القدر":
من صفات
الله تعالى أنه الفعال لما يريد كما قال تعالى: ]إن ربك فعال لما
يريد[. فلا يخرج شيء عن إرادته وسلطانه، ولا يصدر شيء إلا بتقديره
وتدبيره، بيده ملكوت السموات والأرض، يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء
بحكمته، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، وسلطانه، وهم يسألون لأنهم
مربوبون محكومون.
والإيمان
بالقدر واجب وهو أحد أركان الإيمان الستة لقول النبي، صلى الله عليه
وسلم: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله،
واليوم الآخر، والقدر خيره وشره".
رواه مسلم وغيره. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه، ومره".
فالخير والشر باعتبار العاقبة والحلاوة والمرارة
باعتبار وقت إصابته. وخير القدر ما كان نافعاً وشره ما كان ضاراً أو
مؤذياً.
والخير
والشر هو بالنسبة للمقدور وعاقبته، فإن منه ما يكون خيراً كالطاعات،
والصحة، والغنى، ومنه ما يكون شراً كالمعاصي، والمرض، والفقر، أما
بالنسبة لفعل الله فلا يقال : إنه شر لقول النبي، صلى الله عليه وسلم ،
في دعاء القنوت الذي علمه الحسن بن علي: "وقني شر ماقضيت".
فأضاف الشر إلى ما قضاه لا إلى قضائه.
والإيمان
بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور:
الأول:
الإيمان بأن الله عالم كل ما يكون جملة وتفصيلاً بعلم سابق لقوله
تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن
ذلك على الله يسير[.
الثاني: أن
الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء لقوله تعالى: ]ما أصاب من
مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها[. أي نخلق
الخليقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض
بخمسين ألف سنة[. رواه مسلم.
الثالث:
أنه لا يكون شيء في السماوات والأرض إلا بإرادة الله ومشيئته الدائرة
بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا
يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه، وهم يسألون، وما وقع من ذلك فإنه
مطابق لعلمه السابق ولما كتبه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى: ]إنا كل
شيء خلقناه بقدر[. ]فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد
أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً[. فأثبت وقوع الهداية والضلال بإرادته.
الرابع: أن
كل شيء في السموات والأرض مخلوق لله تعالى، لا خالق غيره ولا رب سواه
لقوله تعالى: ]وخلق كل شيء فقدره تقديراً[. وقال على لسان إبراهيم: ]والله خلقكم وما تعملون[.
القدر ليس
حجة للعاصي على فعل المعصية:
أفعال
العباد كلها من طاعات ومعاصٍ كلها مخلوقة لله كما سبق ولكن ليس ذلك حجة
للعاصي على فعل المعصية وذلك لأدلة كثيرة منها:
1- 1-
أن الله
أضاف عمل العبد إليه وجعله كسباً له فقال: ]اليوم تجزى كل نفس بما
كسبت[. ولو لم يكن له اختيار في الفعل وقدرة عليه ما نسب إليه.
2- 2-
أن الله
أمر العبد ونهاه، ولم يكلفه إلا ما يستطيع لقوله تعالى: ]لا يكلف الله
نفساً إلا وسعها[. ]فاتقوا الله ما استطعتم[. ولو كان مجبوراً على
العمل ما كان مستطيعاً على الفعل، أو الكف، لأن المجبور لا يستطيع
التخلص منه.
3- 3-
أن كل واحد
يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري ، وأن الأول يستطيع التخلص
منه.
4- 4-
أن العاصي
قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قدر له، وهو باستطاعته أن يفعل أو
يترك، فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول؟! أليس من الأحرى
أن يسلك الطريق الصحيح ويقول : هذا ما قدر لي؟!.
5- 5-
أن الله
أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة: ]لئلا يكون للناس على الله حجة بعد
الرسل[. ولو كان القدر حجة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل.
التوفيق
بين كون فعل العبد مخلوقاً لله وكونه كسباً للفاعل:
عرفت مما
سبق أن فعل العبد مخلوق لله، وأنه كسب للعبد يجازى عليه الحسن بأحسن،
والسيئ بمثله فكيف نوفق بينهما؟
التوفيق
بينهما أن وجه كون فعل العبد مخلوقاً لله تعالى أمران:
الأول: أن
فعل العبد من صفاته، والعبد وصفاته مخلوقان لله تعالى.
الثاني: أن
فعل العبد صادر عن إرادة قلبية وقدرة بدنية، ولولاهما لم يكن فعل،
والذي خلق هذه الإرادة والقدرة هو الله تعالى، وخالق السبب خالق
للمسبب، فنسبة فعل العبد إلى خلق الله له نسبة مسبب إلى سبب، لا نسبة
مباشرة، لأن المباشر حقيقة هو العبد فلذلك نسب الفعل إليه كسباً
وتحصيلاً، ونسب إلى الله خلقاً وتقديراً، فلكل من النسبتين اعتبار
والله أعلم.
المخالفون
للحق في القضاء والقدر والرد عليهم:
المخالفون
للحق في القضاء والقدر طائفتان:
الطائفة
الأولى: الجبرية يقولون : العبد مجبور على فعله وليس له اختيار في ذلك.
ونرد عليهم
بأمرين:
1- 1-
أن الله
أضاف عمل الإنسان إليه وجعله كسباً له يعاقب ويثاب بحسبه، ولو كان
مجبوراً عليه ما صح نسبته إليه ولكان عقابه عليه ظلماً.
2- 2-
أن كل واحد
يعرف الفرق بين الفعل الاختياري والاضطراري في الحقيقة والحكم، فلو
اعتدى شخص على آخر وادعى أنه مجبور على ذلك بقضاء الله وقدره لعد ذلك
سفهاً مخالفاً للمعلوم بالضرورة.
الطائفة
الثانية: القدرية يقولون: العبد مستقل بعمله ليس لله فيه إرادة، ولا
قدرة، ولا خلق.
ونرد عليهم
بأمرين:
1-أنه مخالف
لقوله تعالى: ]الله خالق كل شيء[. ]والله خلقكم وما تعملون[.
2-أن الله
مالك السموات والأرض فكيف يكون في ملكه ما لا تتعلق به إرادته وخلقه؟!
أقسام
الإرادة والفرق بينها:
إرادة الله
تنقسم إلى قسمين كونية وشرعية:
فالكونية:
هي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى: ]فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره
للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً[.
والشرعية:
هي التي بمعنى المحبة كقوله تعالى: ]والله يريد أن يتوب عليكم[.
والفرق
بينهما أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوباً
لله، وأما الشرعية فيلزم أن يكون المراد فيها محبوباً لله ولا يلزم
وقوع