الناس في مقام الشرع والقدر
المعايير النفسية مع أصلي الشرع والقدر
المؤمن مأمور بفعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور قال الله
تعالى:) يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم
تفلحون ( . وقال: ) إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (
. وقال عن لقمان: ) يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر
واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور(.وقال:)وبشر الصابرين
( .
ومأمور في جانب الطاعة بالإخلاص والاستغفار قال الله تعالى: ) فاعلم
أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات
( .
وقال: ) أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير.وأن استغفروا
ربكم ثم توبوا إليه(. وقال تعالى: ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي
أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه(. وقال النبي صلى الله
عليه وسلم
: "يا أيها الناس توبوا إلى ربكم
فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة
".
وقال:
"إنه ليغان على قلبي وإني
لأستغفر الله في اليوم مائة مرة
"
أخرجهما مسلم.
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول:
"
والله إني لأستغفر الله وأتوب
إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة
".
والجامع لهذا: أنه لابد في الأمر من أصلين، ولابد في القدر من أصلين
أيضاً.
أما الأصلان في الأمر فهما:
أصل قبل العمل أو مقارن له وهو: الاجتهاد في الامتثال علماً، وعملاً
فيجتهد في العلم بالله تعالى:، وأسمائه وصفاته، وأحكامه، ثم يعمل بما
يقتضيه ذلك العلم من تصديق الأخبار، والعمل بالأحكام، فعلاً للمأمور،
وتركاً للمحظور.
والثاني: أصل بعد العمل وهو الاستغفار والتوبة من التفريط في المأمور،
أو التعدي في المحظور ولهذا كان من المشروع ختم الأعمال بالاستغفار كما
قال الله تعالى: ) والمستغفرين بالأسحار ( . فقاموا الليل وختموه
بالاستغفار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر
ثلاثاً. وآخر سورة نزلت عليه سورة النصر ) إذا جاء نصر الله والفتح .
ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً . فسبح بحمد ربك واستغفره إنه
كان تواباً ( . فكان بعد نزولها يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك
اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. وكان نزولها إيذاناً بقرب أجله صلى
الله عليه وسلم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في مجلس أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحضر من الصحابة فأقره عمر رضي الله عنه
وقال: ما أعلم منها إلا ما تقول.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب
إليك. فجعل الاستغفار والتوبة خاتمة العمر كما جعلتا خاتمة العمل.
وأما الأصلان في القدر فهما:
أصل قبل المقدور وهو: الاستعانة بالله عز وجل، والاستعاذة به، ودعاؤه
رغبة ورهبة فيكون معتمداً على ربه، ملتجئاً إليه في حصول المطلوب ودفع
المكروه.
والثاني بعد المقدور وهو: الصبر على المقدور حيث يفوت مطلوبه، أو يقع
مكروهه فيوطن نفسه عليه بحيث يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه
لم يكن ليصيبه، وأن الحال لا يمكن أن تتغير عما قدره الله تعالى: فيرضى
بذلك ويسلم وينشرح صدره ويذهب عنه الندم والحزن كما قال الله تعالى: )
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء
عليم
( .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم
يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال علقمة في الآية: هو الرجل
تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
فإذا راعى الأمر والقدر على الوجه الذي ذكرنا كان عابداً لله تعالى:
مستعيناً به متوكلاً عليه من
الذين أنعم الله عليهم . وقد جمع الله بين هذين الأصلين في أكثر من
موضع كقوله تعالى: )إياك نعبد وإياك نستعين
( .
وقوله: ) فاعبده وتوكل عليه ( . وقوله: ) وما توفيقي إلا بالله عليه
توكلت وإليه أنيب
( .
فصل
والناس في هذا المقام مقام الشرع والقدر أربعة أقسام:
الأول: من حققوا هذه الأصول الأربعة: أصلي الشرع، وأصلي القدر وهم
المؤمنون المتقون الذين كان عندهم من عبادة الله تعالى: والاستعانة به
ما تصلح به أحوالهم، فكانوا لله، وبالله، وفي الله، وهؤلاء أهل القسط
والعدل الذين شهدوا مقام الربوبية والألوهية، وهم أعلى الأقسام فإن هذا
مقام الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين.
الثاني: من فاتهم التحقيق في أصلي القدر فكان عندهم من عبادة الله
تعالى:
والاستقامة في شرعه ما عندهم،
لكن ليس عندهم قوة في الاستعانة بالله والصبر على أحكامه الكونية
والشرعية، فيصيبهم عند العمل من العجز والكسل ما يمنعهم من العمل أو
إكماله، ويلحقهم بعد العمل من العجب والفخر ما قد يكون سبباً لحبوط
عملهم وخذلانهم، وهؤلاء أضعف ممن سبقهم وأدنى مقاماً وأقل عدلاً، لأن
شهودهم مقام الإلهية غالب على شهود مقام الربوبية.
الثالث: من فاتهم التحقيق في أصلي الشرع فكانوا ضعفاء في الاستقامة على
أمر الله ومتابعة شرعه، لكن عندهم قوة في الاستعانة بالله والتوكل
عليه، ولكن قد يكون ذلك في أمور لا يحبها الله تعالى: ولا يرضاها فيعان
ويمكن له بقدر حاله، ويحصل له من المكاشفات والتأثيرات ما لا يحصل
للقسم الذي قبله، لكن ما يحصل له من هذه الأمور يكون من نصيب العاجلة
الدنيا أما عاقبته فعاقبة سيئة، لأنه ليس من المتقين وإنما العاقبة
للمتقين قال الله تعالى: ) فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له
الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون . ليكفروا بما آتيناهم
وليتمتعوا فسوف يعلمون ( . فالله تعالى: يعلم أن هؤلاء سيشركون بعد أن
ينجيهم لكن لما كانوا في البحر كانوا مخلصين في دعائهم الله تعالى: أن
ينجيهم صادقين في تفويض الأمر إليه حصل مرداهم، ولما لم يكن لهم عبادة
لم يستقم أمرهم وكان عاقبة أمرهم خسراً.
فالفرق بين هؤلاء وبين القسم الذين قبلهم أن الذين قبلهم كان لهم دين
ضعيف لضعف استعانتهم بالله وتوكلهم عليه، لكنه مستمر باق إن لم يفسده
صاحبه بالعجز والجزع. وهؤلاء لهم حال وقوة لكن لا يبقى لهم إلا ما
وافقوا فيه الأمر واتبعوا فيه السنة.
القسم الرابع: من فاتهم تحقيق أصلي الشرع، وأصلي القدر فليس عندهم
عبادة لله تعالى:، ولا استعانة به، ولا لجوء إليه عند الشدة فهم
مستكبرون عن عبادة الله مستغنون بأنفسهم عن خالقهم، وربما لجؤوا في
الشدائد وإدراك مطالبهم إلى الشياطين فأطاعوها فيما تريد وأعانتهم فيما
يريدون فيظن الظان أن هذا من باب الكرامات، وهو من باب الإهانات لأن
عاقبتهم الذل والهوان وهذا القسم شر الأقسام