الشرك في الطاعة
اعلموا- وفقني الله وإياكم- أن
من الشرك طاعة العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل
الله:
قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ}
وفي الحديث الصحيح:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا
هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي، فقال يا رسول الله! لسنا نعبدهم
قال أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه
قال بلى قال النبى صلى الله عليه وسلم فتلك عبادتهم) . رواه
الترمذي وغيره.
وقد فسر النبي صلى الله عليه
وسلم فيه اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله بأنه ليس معناه
الركوع والسجود لهم، وإنما معناه طاعتهم في تغيير أحكام الله وتبديل
شريعته بتحليلهم الحرام، وتحريمهم الحلال، وأن ذلك يعتبر عبادة لهم من
دون الله؛ حيث نصبوا أنفسهم شركاء لله في التشريع، فمن أطاعهم في ذلك؛
فقد اتخذهم شركاء لله في التشريع والتحليل والتحريم، وهذا من الشرك
الأكبر، لقوله تعالى في الآية: {وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَلَا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ
لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
ومن هذا طاعة الحكام والرؤساء في تحكيم القوانين الوضعية المخالفة
للأحكام الشرعية في تحليل الحرام؛ كإباحة الربا والزنى وشرب الخمر
ومساواة المرأة للرجل في الميراث وإباحة السفور والاختلاط، أو تحريم
الحلال؛ كمنع تعدد الزوجات، وما أشبه ذلك من تغيير أحكام الله
واستبدالها بالقوانين الشيطانية؛ فمن وافقهم على ذلك ورضي به واستحسنه،
فهو مشرك كافر والعياذ بالله.
ومن ذلك تقليد الفقهاء باتباع
أقوالهم المخالفة للأدلة إذا كانت توافق أهواء بعض الناس وما يشتهونه؛
كما يفعل بعض أنصاف المتعلمين من تلمس الرخص، والواجب أن يؤخذ من قول
المجتهد ما وافق الدليل ويطرح ما خالفه.
قال الأئمة رحمهم الله: "كل
يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة رضي الله عنهم،
فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين؛ فهم رجال ونحن رجال "؛
يريد رحمه الله أمثاله وأمثال الأئمة الكبار.
وقد استغل هذه الكلمة بعض أنصاف
المتعلمين، الذين جعلوا أنفسهم في مصاف الأئمة المجتهدين، وهم لا
يزالون جهالا، ولا شك أن الإمام أبا حنيفة لا يقصد مساواة العلماء
بالجهال.
وقال مالك رحمه الله: "كلنا راد ومردود عليه؛ إلا صاحب هذا القبر
-يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم-".
وقال الإمام الشافعي رحمه
الله: "إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي". وقال: "إذا خالف قولي
قول رسول الله؛ فاضربوا بقولي عرض الحائط".
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته
يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ
يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
ويقول عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! أقول: قال
رسول الله! وتقولون: قال أبو بكر وعمر".
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن
رحمه الله في "فتح المجيد": "فالواجب على كل مكلف إذا بلغه
الدليل من كتاب الله وسنة رسوله وفهم معنى ذلك أن ينتهي إليه ويعمل به،
وإن خالفه من خالفه... ".
إلى أن قال: "فيجب على من نصح نفسه إذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها
وعرف أقوالهم أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة؛ فإن كل مجتهد من
العلماء ومن تبعه وانتسب إليه يذكر دليله، والحق في المسألة واحد،
والأئمة مثابون على اجتهادهم؛ فالمنصف يجعل النظر في كلامهم وتأمله
طريقا إلى معرفة المسائل واستحضارها، وتمييز الصواب من الخطأ بالأدلة
التي يذكرها المستدلون، ويعرف بذلك من هو أسعد بالدليل من العلماء
فيتبعه".
وقال رحمه الله على قوله تعالى: {وَإِنْ
أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} : "وهذا وقع
فيه كثير من الناس مع من قلدوهم، لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالف
المقلد- وهو من هذا الشرك(1)،
ومنهم من يغلو في ذلك ويعتقد أن الأخذ بالدليل والحالة هذه يكره أو
يحرم فعظمت الفتنة! ويقول: هو أعلم منا بالأدلة...
"انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "المسألة الخامسة:
تغير الأحوال إلى هذه الغاية، حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي
أفضل الأعمال، وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم
تغيرت الحال إلى أن عبد من دون من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى
الثاني من هو من الجاهلين... "انتهى.
ومن اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا طاعة علماء الضلال فيما أحدثوه في
دين الله من البدع والخرافات والضلالات؛ كإحياء أعياد الموالد والطرق
الصوفية والتوسل بالأموات ودعائهم من دون الله، حتى إن هؤلاء العلماء
الضالين شرعوا ما لم يأذن به الله، وقلدهم فيه الجهال السذج، واعتبروه
هو الدين، ومن أنكره ودعا إلى اتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه
وسلم اعتبروه خارجا من الدين! أو أنه يبغض العلماء والصالحين!!
فعاد المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، حتى شب
على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، وهذا من غربة الدين وقلة الدعاة
المصلحين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإذا كان لا يجوز اتباع أئمة الفقه المجتهدين فيما أخطئوا فيه من
الاجتهاد مع أنهم معذورون ومأجورون فيما أخطئوا فيه من غير قصد- إلا
أنه يحرم اتباعهم على الخطأ-؟ فكيف لا يحرم تقليد هؤلاء المضللين
والدجالين الذين أخطئوا فيما لا يجوز الاجتهاد فيه- وهو أمر العقيدة-؛
لأن العقيدة توقيفية، تتوقف على النصوص؟! ولكن الأمر كما قال
تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ
فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ
لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ
الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}
وإلى جانب هؤلاء المغرقين في التقليد الأعمى في الأصول والفروع، إلى
جانبهم جماعة أخرى على النقيض منهم، ترى وجوب الاجتهاد على كل أحد، ولو
كان جاهلا لا يحسن قراءة القرآن ولا يعرف شيئا عن العلم، ويحرمون النظر
في كتب الفقه، ويريدون من الجهال أن يستنبطوا الأحكام من الكتاب
والسنة!! وهذا تطرف شنيع، وخطر هؤلاء على الأمة الإسلامية لا يقل
عن خطر الفريق الأول إن لم يزد عليه، وخير الأمور الوسط والاعتدال؛ بأن
لا نقلد الفقهاء تقليدا أعمى، ولا نزهد بعلمهم ونترك أقوالهم الموافقة
للكتاب والسنة، بل ننتفع بها ونستعين بها على فهم الكتاب والسنة؛ لأنها
ثروة علمية ورصيد فقهي عظيم يؤخذ منه ما وافق الدليل ويترك ما خالف
الدليل؛ كما كان السلف الصالح يفعلون ذلك، خصوصا في هذا الزمان، الذي
تقاصرت فيه الهمم، وفشا فيه الجهل؛ فالواجب الاعتدال بلا إفراط ولا
تفريط ولا غلو ولا تساهل، ونسأل الله عز وجل أن يهدي ضال المسلمين
ويثبت أئمتهم وقادتهم على الحق... إنه سميع مجيب.
وكما لا تجوز طاعة العلماء في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فكذلك لا
تجوز طاعة الأمراء والرؤساء في الحكم بين الناس بغير الشريعة
الإسلامية؛ لأنه يجب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في جميع
المنازعات والخصومات وشئون الحياة؛ لأن هذا هو مقتضى العبودية
والتوحيدة لأن التشريع حق لله وحده؛ كما قال تعالى: {أَلَا
لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} ؛ أي: هو الحكم وله الحكم.
قال تعالى: {وَمَا
اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}
وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلًا}
فالتحاكم إلى شرع الله ليس لطلب
العدل فقط، وإنما هو في الدرجة الأولى تعبد لله وحق لله وحده وعقيدة؛
فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية؛ فقد
اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه:
قال الله تعالى: {أَمْ
لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ
بِهِ اللَّهُ}
وقال تعالى: {وَإِنْ
أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
وقد نفى الله الإيمان عمن تحاكم
إلى غير شرعه، قال تعالى: {أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}
... إلى قوله تعالى: {فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
فمن دعا إلى تحكيم القوانين
البشرية؛ فقد جعل لله شريكا في الطاعة والتشريع، ومن حكم بغير ما أنزل
الله؛ يرى أنه أحسن أو مساو لما أنزله الله وشرعه أو أنه يجوز الحكم
بهذا؛ فهو كافر بالله، وإن زعم أنه مؤمن؛ لأن الله أنكر على من يريد
التحاكم إلى غير شرعه وكذبهم في زعمهم الإيمان؛ لأن قوله:
{يَزْعُمُونَ} متضمن لنفي إيمانهم؛ لأن هذه الكلمة تقال غالبا لمن
يدعي دعوى هو فيها كاذب، ولأن تحكيم القوانين تحكيم للطاغوت، والله قد
أمر بالكفر بالطاغوت، وجعل الكفر بالطاغوت ركن التوحيد؛ كما قال
تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ
بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَى} ؛ فمن حكم القوانين البشرية؛ لم يكن موحدا؛ لأنه
اتخذ شريكا في التشريع والطاعة، ولم يكفر بالطاغوت الذي أمر أن يكفر
به، وأطاع الشيطان؛ كما قال تعالى: {وَيُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}
وقد أخبر الله أن المنافقين حينما يدعون إلى التحاكم إلى شرع الله
يأبون ويعرضون، فقال سبحانه: {وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى
الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}
كما أخبر أنهم يرون الفساد صلاحا؛ لانتكاس فطرهم وفساد قلوبهم، فقال
تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا
إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}
فالتحاكم إلى غير الله من أعمال
المنافقين، وهو من أعظم الفساد في الأرض...
قال الإمام ابن القيم رحمه الله على هذه الآية: "قال أكثر
المفسرين: ولا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى طاعة غير الله بعد
إصلاح الله لها ببعثة الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن
عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل
فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك ومخالفة أمره؛ فالشرك والدعوة
إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير الرسول صلى الله عليه
وسلم هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولأهلها إلا بأن يكون الله
وحده هو المعبود المطاع والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع للرسول
ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه
وسلم فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته؛ فلا سمع ولا طاعة، ومن تدبر أحوال
العالم؛ وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله،
وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذلك فسببه مخالفة
رسوله والدعوة إلى غير الله ورسوله".
وقد سمى الله كل حكم يخالف حكمه بأنه حكم الجاهلية؛ قال تعالى: {أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
قال ابن كثير رحمه الله: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى
المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء
والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله؛ كما
كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات، وكما تحكم به
التتار من السياسات، المأخوذ عن جنكيز خان، الذي وضع لهم "الياسق"،
وهو عبارة عن كتاب أحكام اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية
والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره وهواه،
فصارت في بنيه شرعا، يقدمونها على الحكم بالكتاب والسنة؛ فمن فعل ذلك؛
فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله؛ فلا يحكم بسواه في
قليل أو كثير...". انتهى كلامه رحمه الله.
ومثل قانون التتار هذا القوانين الوضعية التي جعلت اليوم في كثير من
الدول هي مصادر الأحكام وألغيت من أجلها الشريعة الإسلامية إلا فيما
يسمونه بالأحوال الشخصية...
والدليل على كفر من فعل ذلك آيات كثيرة؛ منها: قوله تعالى: {وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ} ، وقوله: {فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ} ، وقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ
يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا
اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
وكما قلنا قريبا إنه يجب تحكيم
الشريعة عقيدة ودينا يدان الله به لا من أجل طلب العدالة فقط.
هذا ولابد للعبد من قبول حكم الله، سواء كان له أم عليه، وسواء وافق
هواه أم لا: قال تعالى: {فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، وقال تعالى: {وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ،
وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ
اللَّهِ}
وعن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا
يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) .
قال ابن رجب رحمه الله: "معنى الحديث: أن الإنسان لا يكون مؤمنا
كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول صلى الله
عليه وسلم من الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به، ويكره ما نهى
عنه، وقد ورد القرآن بمثل هذا المعنى في غير موضع، وذم سبحانه من كره
ما أحبه الله أو أحب ما كرهه الله؛ كما قال تعالى: {ذَلِكَ
بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}
إلى أن قال: "وقد وصف المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه،
فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ
اللَّهِ} ، وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع،
ولهذا سمي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تنشأ من تقديم الهوى
على محبة الله ومحبة ما يحبه، وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون
تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب على المؤمن محبة من
يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين
عموما...". انتهى كلامه رحمه الله