المحبة
المحبة هي أصل دين الإسلام الذي تدور عليه رحاه, فبكمال محبة الله يكمل
دين الإسلام، وبنقصها ينقص توحيد الإنسان.
المراد بالمحبة هنا: محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع وكمال
الطاعة وإيثار المحبوب على غيره، فهذه المحبة خالصة لله، لا يجوز أن
يشرك معه فيها أحد, لأن المحبة قسمان:
القسم الأول: محبة مختصة: وهي محبة العبودية التي تستلزم كمال الذل
والطاعة للمحبوب، وهذه خاصة بالله سبحانه وتعالى.
القسم الثاني: محبة مشتركة
والمحبة المشتركة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: محبة طبيعية؛ كمحبة
الجائع للطعام.
النوع الثاني: محبة إشفاق؛ كمحبة الوالد
لولده.
النوع الثالث:
محبة أنس
وإلف؛ كمحبة الشريك لشريكه والصديق لصديقه.
وهذه المحبة بأقسامها الثلاثة لا تستلزم التعظيم والذل، ولا يؤاخذ أحد
بها، ولا تزاحم المحبة المختصة، فلا يكون وجودها شركا, لكن لا بد أن
تكون المحبة المختصة مقدمة عليها.
والمحبة المختصة والتي هي محبة العبودية مذكورة في قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ
كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
﴾
قال الإمام ابن القيم رحمه الله على هذه الآية: "أخبر تعالى أن من
أحب من دون الله شيئا كما يحب الله تعالى, فهو ممن اتخذ من دون الله
أندادا فى الحب والتعظيم".
وقال ابن كثير رحمه الله: "يذكر تعالى حال المشركين في الدنيا، وما
لهم في الآخرة من العذاب والنكال, حيث جعلوا لله أندادا, أي: أمثلا
ونظراء. ﴿ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ
اللَّهِ} , أي: يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم".
وهذا الذي قاله ابن كثير رحمه الله هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله, كما حكى الله هذه التسوية عنهم في قوله:
﴿
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ
بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ، وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ ، وقوله
تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ
حُبًّا لِلَّهِ ﴾ أي: أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لله،
وقيل: أشد حبا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم، فدلت الآية على أن من
أحب شيئا كحب الله، فقد اتخذه ندا لله.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "وفيه أن من اتخذ ندا
تساوي محبته محبة الله, فهو الشرك الأكبر".
ومحبة الله التي هي محبة العبودية يجب أن تقدم على المحبة التي ليست
عبودية، وهي المحبة المشتركة, كمحبة الآباء والأولاد والأزواج
والأموال, لأن الله توعد من قدم هذه المحبة على محبة الله، قال
تعالى: ﴿
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ
إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
﴾ فتوعد سبحانه من قدم هذه المحبوبات الثمان على محبة الله ورسوله
والأعمال التى يحبها، ولم يتوعد على مجرد حب هذه الأشياء, لأن هذا شيء
جبل عليه الإنسان، ليس اختياريا، وإنما توعد من قدم محبتها على محبة
الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ورسوله، فلا بد للعبد من إيثار ما أحبه
الله وأراده على ما يحبه العبد ويريده.
محبة الله لها علامات تدل عليها:
منها:
أن من أحب الله تعالى, فإنه يقدم ما يحبه الله من الأعمال على ما تحبه
نفسه من الشهوات والملذات والأموال والأولاد والأوطان.
ومنها:
أن من أحب الله تعالى, فإنه يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء
به، فيفعل ما أمر به، ويترك ما نهى عنه؛ قال تعالى:
﴿
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ
أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾
قال بعض السلف: "ادعى قوم محبة الله، فأنزل الله تعالى آية
المحبة: ﴿
قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ
﴾ ففي الآية بيان دليل محبة الله وثمرتها وفائدتها, فدليلها
وعلامتها: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وفائدتها وثمرتها: نيل
محبة الله للعبد ومغفرته لذنوبه".
ومن علامات صدق محبة العبد لله: ما ذكره الله بقوله: ﴿ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ
﴾ , فذكر في هذه الآية الكريمة لمحبة الله أربع علامات
أربع علامات لمحبة الله
العلامة الأولى. أن المحبين لله يكونون
أذلة على المؤمنين, بمعنى أنهم يشفقون عليهم ويرحمونهم ويعطفون
عليهم. قال عطاء: "يكونون للمؤمنين كالوالد لولده".
العلامة الثانية. أنهم يكونون
أعزة على الكافرين, أي: يظهرون لهم الغلظة والشدة والترفع عليهم، ولا
يظهرون لهم الخضوع والضعف.
العلامة الثالثة. أنهم يجاهدون
في سبيل الله بالنفس واليد والمال واللسان لإعزاز دين الله وقمع أعدائه
بكل وسيلة.
العلامة الرابعة. أنهم لا
تأخذهم في الله لومة لائم، فلا يؤثر فيهم ازدراء الناس لهم ولومهم
إياهم على ما يبذلون من أنفسهم وأموالهم لنصرة الحق, لقناعتهم بصحة ما
هم عليه وقوة إيمانهم ويقينهم، فكل محب يؤثر فيه اللوم فيضعفه عن
مناصرة حبيبه فليس بمحب على الحقيقة.
الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى عشرة أشياء ذكرها ابن القيم وهي:
أحدها.
قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
الثاني.
التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.
الثالث.
دوام ذكر الله على كل حال باللسان والقلب والعمل.
الرابع.
إيثار ما يحبه الله على ما يحبه العبد عند تزاحم المحبتين.
الخامس.
التأمل في أسماء الله وصفاته وما تدل عليه من الكمال والجلال وما لها
من الآثار الحميدة.
السادس.
التأمل في نعم الله الظاهرة والباطنة، ومشاهدة بره وإحسانه وإنعامه على
عباده.
السابع.
انكسار القلب بين يدي الله وافتقاره إليه.
الثامن.
الخلوة بالله وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الآخر، وتلاوة
القرآن في هذا الوقت، وختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع.
مجالسة أهل الخير والصلاح المحبين لله عز وجل والاستفادة من كلامهم.
العاشر.
الابتعاد عن كل سبب يحول بين القلب وبين الله من الشواغل.
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعة ولازمة لمحبة الله
من توابع محبة الله ولوازمها محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
قال صلى الله عليه وسلم ’’ لا يؤمن
أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين‘‘ أي:
لا يؤمن الإيمان الكامل إلا من كان الرسول أحب إليه من نفسه وأقرب
الناس إليه.
ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون لأمور:
الأول: أنه رسول الله، وإذا كان الله أحب إليك من كل شي،فرسوله أحب
إليك من كل مخلوق .
الثاني: لما قام به من عبادة الله وتبليغ رسالته .
الثالث: لما آتاه الله من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .
الرابع: أنه سبب هدايتك وتعليمك وتوجيهك .
الخامس: لصبره على الأذى في تبليغ الرسالة .
السادس : لبذل جهده بالمال والنفس لإعلاء كلمة الله .
ويستفاد من هذا الحديث :
1. وجوب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس
2. وجوب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس
كما بين صلى الله عليه وسلم لعمر رضى الله عندما قال له ’’
إنك لأحب إلى من كل شي إلا من نفسي. قال
النبي صلى الله عليه وسلم : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من
نفسك . قال:الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي . فقال النبي صلى الله
عليه وسلم:الآن يا عمر‘‘ .
3. فداء الرسول صلى الله عليه وسلم بالنفس والمال،لأنه يجب أن تقدم
محبته على نفسك ومالك .
4 . أنه يجب على الإنسان أن ينصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويبذل لذلك نفسه وماله وكل طاقته، لأن ذلك من كمال محبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، ولذلك قال بعض أهل العلم في قوله : ﴿
إن شانئك هو الأبتر ﴾ [ الكوثر : 3
] ، أي : مبغضك ، قالوا : وكذلك من أبغض شريعته صلى الله عليه وسلم،
فهو مقطوع لا خير فيه .
5. جواز المحبة التي للشفقة والإكرام والتعظيم ، لقوله صلى الله عليه
وسلم : ’’ أحب إليه من ولده ووالده ...
‘‘ فأثبت أصل المحبة ، وهذا أمر طبيعي لا ينكره أحد .
6. وجوب تقديم قول الرسول صلى الله عليه وسلم على قول كل الناس ، لأن
من لازم كونه أحب من كل أحد أن يكون قوله مقدما على كل أحد من الناس
حتى على نفسك ، فمثلا : أنت تقول شيئا وتهواه وتفعله ، فيأتي إليك رجلا
ويقول لك : هذا يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان الرسول
أحب إليك من نفسك فأنت تنتصر للرسول أكثر مما تنصر لنفسك ، وترد على
نفسك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتدع ما تهواه من أجل طاعة
الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا عنوان تقديم محبته على محبة النفس
إذا يؤخذ من هذا الحديث وجوب تقديم قول الرسول صلى الله عليه وسلم على
قول كل الناس حتى على قول أبي بكر وعمر وعثمان، وعلى قول الأئمة
الأربعة ومن بعدهم، وقال تعالى : ﴿ وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
[الأحزاب: من الآية36] .
مناسبة هذا الحديث ظاهرة، إذ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من محبة
الله ، ولأنه إذا كان لا يكمل الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه
أحب إلى الإنسان من نفسه والناس أجمعين ، فمحبة الله أولى وأعظم .
ولهما عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ’’
ثلاث من كن فيه، وجد بهن حلاوة
الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا
يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما
يكره أن يقذف في النار ‘‘
وحلاوة الإيمان : ما يجده الإنسان في نفسه وقلبه من الطمأنينة والراحة
والانشراح ، وليست مدركة باللهاب والفم ، والمقصود بالحلاوة هنا
الحلاوة القلبية .
الخصلة الأولى من الخصال الواردة في الحديث :
قوله : ( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) الرسول محمد صلى
الله عليه وسلم وكذا جميع الرسل تجب محبتهم .
قوله : ( أحب إليه مما سواهما ) . أي احب إليه من الدنيا كلها ونفسه
وولده ووالده وزوجته وكل شي سواهما
وفي رواية : ( لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى ... )
لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من محبة الله ، ولهذا جعل قوله :
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ركنا واحدا ، لأن الإخلاص
لا يتم إلا بالمتابعة التي جاءت عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم .
الخصلة الثانية :
قوله : ( وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله )
قوله : (وأن يحب المرء ) يشمل الرجل والمرأة . قوله : ( لا يحبه إلا
لله ) أي : من أجل الله ، لأنه قائم بطاعة الله عز وجل
وحب الإنسان للمرء له أسباب كثيرة : يحبه للدنيا ، ويحبه للقرابة،
ويحبه للزمالة ، ويحب المرء زوجته للاستمتاع ، ويحب من أحسن إليه ،
ولكن إذا أحببت هذا المرء لله، فإن ذلك من أسباب وجود حلاوة الإيمان .
الخصلة الثالثة :
قوله : ( وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن
يقذف في النار ) .
هذه الصورة في كافر أسلم، فهو يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله
منه، كما يكره أن يقذف في النار ، وإنما ذكر هذه الصور، لأن الكافر
يألف ما كان عليه أولا، فربما يرجع إليه بخلاف من لا يعرف الكفر أصلا .
فمن كره العود في الكفر كما يكره القذف في النار، فإن هذا من أسباب
وجود حلاوة الإيمان .
وعن ابن عباس قال : ’ من أحبّ في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله،
وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبدُُُ طعم
الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك وقد صارت عامة مُؤاخاة
الناس على أمر الدنيا وذلك لا يُجدي على أهله شيئا ‘
( فإنما تنال ولاية الله بذلك ) .
فالمعنى : من أحب في ذات الله ، أي في دينه وشرعه لا عرض الدنيا. قوله
: ( وأبغض في الله ) . البغض الكره، لأي : أبغض في ذات الله إذا رأى من
يعصي الله كرهه .
ويبغض من أبغضه الله ، ويحب من أحبه .
قوله : ( ووالى في الله ) . الموالاة : هي المحبة والنصرة وما أشبه ذلك
قوله:(وعادى في الله). المعاداة ضد الموالاة ، أي : يبتعد عنهم ويبغضهم
ويكرههم في الله .
قوله : ( فإنما تنال ولاية الله بذلك ) . أي : يدرك الإنسان ولاية الله
ويصل إليها، لأنه جعل محبته وبغضه وولايته ومعاداته لله .
قوله:(بذلك).الباء للسببية،والمشار إليه الحب في الله والبغض
فيه،والموالاة فيه والمعاداة فيه .
ومعنى حديث ابن عباس: أن الإنسان لا يجد طعم الإيمان وحلاوته ولذته
حتى يكون كذلك، ولو كثرت صلاته وصومه، وكيف يستطيع عاقلا فضلا عن مؤمن
أن يوالي أعداء الله، فيرى أعداء الله يشركون به ويكفرون به ويصفونه
بالنقائص والعيوب، ثم يواليهم ويحبهم ؟ ! فهذا لو صلى وقام الليل كله
وصام الدهر كله، فإنه يكون لا يمكن أن ينال طعم الإيمان، فلا بد أن
يكون قلبك مملوء بمحبة الله وموالاته، ويكون مملوء ببغض أعداء الله
ومعاداتهم
والولاية تنقسم إلى:ولاية من الله للعبد،وولاية من العبد لله،فمن
الأولى قوله تعالى ﴿ الله ولى الذين آمنوا)
[البقرة:257] ومن الثانية قوله تعالى ﴿ ومن
يتولى الله ورسوله والذين آمنوا ...) [ المائدة : 56 ]
والولاية التي من الله للعبد تنقسم إلى عامة وخاصة
فالولاية العامة هي الولاية على العباد بالتدبير والتصريف ، وهذه تشمل
المؤمن والكافر وجميع الخلق ، فالله هو الذي يتولى عباده بالتدبير
والتصريف والسلطان وغير ذلك ، ومنه قوله تعالى : ﴿
ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ﴾
[الأنعام : 62 ] .
والولاية الخاصة : أن يتولى الله العبد بعنايته وتوفيقه وهدايته، وهذه
خاصة بالمؤمنين ، وقال تعالى : ﴿ اللَّهُ
وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ
يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ [
البقرة: من الآية257] وقال : ﴿ أَلا إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس:63] .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [ البقرة:من الآية166]
قال:" المودة " .
قوله:(وقال أبن عباس رضى الله عنهما في قوله : (وتقطعت بهم الأسباب ) ،
قال : المودة). يشير إلى قوله تعالى ﴿ إِذْ
تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا
الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة:166]
الأسباب : جمع سبب ، وهو كل ما يتوصل به إلى شي .
فكل ما يوصل إلى شي ، فهو سبب ، قال تعالى : ﴿
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى
السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ﴾ [مريم : 75]
وقوله : ( قال : المودة ) . هذا الأثر ضعفه بعضهم ، لكن معناه صحيح ،
فإن جمع الأسباب التي يتعلق بها المشركون لتنجيهم تتقطع بهم ، ومنها
محبتهم لأصنامهم وتعظيمهم إياها ، فإنها لا تنفعهم ، ولعل ابن عباس رضى
الله عنهما أخذ من سياق الآيات ، فقد قال الله تعالى ﴿
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ
اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [
البقرة: من الآية165] ثم قال : ﴿ إِذْ
تَبَرَّأَ الَّذِين اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا
الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ [البقرة:166] .
وبه تعرف أن مراده المودة الشركية ، فأما المودة الإيمانية كمودة الله
تعالى ومودة ما يحبه من الأعمال والأشخاص ، فإنها نافعة موصلة للمراد ،
وقال الله تعالى : ﴿ الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾
[الزخرف:67] .
للإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها . تؤخذ من قوله : ( ثلاث
من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ) ، وهذا دليل انتفاء الحلاوة إذا
انتفت هذه الأشياء .
السادسة : أعمال القلب الأربعة آلتي لا تنال ولاية الله إلا بها ، ولا
يجد أحد طعم الإيمان إلا بها . وهي : الحب في الله ، والبغض في الله ،
والولاء في الله ، والعداء في الله .
لا تنال ولاية الله إلا بها ، فلو صلى الإنسان وصام ووالى أعداء الله ،
فإنه لا ينال ولاية الله
ومحبة الرسول تابعة لمحبة الله ملازمة لها، ومن أحب الرسول صلى الله
عليه وسلم اتبعه, فمن ادعى محبته عليه الصلاة والسلام وهو يخالفه فيما
جاء به فيطيع غيره من المنحرفين والمبتدعين والمخرفين فيحيي البدع
ويترك السنن, فهو كاذب في دعواه أنه يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم,
لأن المحب يطيع محبوبه.
فالذين يحدثون البدع المخالفة لسنة الرسول بإحياء الموالد وغيرها من
البدع، أو يفعلون ما هو أعظم من ذلك من الغلو في النبي صلى الله عليه
وسلم، ودعائه من دون الله، وطلب المدد منه والاستغاثة به، ومع هذا
يدعون أنهم يحبونه, فهذا من أعظم الكذب، وهم كالذين قال الله فيهم:
﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران :
23] لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الأمور، وقد خالفوا نهيه
وارتكبوا معصيته، وهم يدعون أنهم يحبونه، فكذبوا