الرجاء
الرجاء هو الطمع في رحمة الله ودخول الجنة التي هي الدار الجامعة لكل
نعيم، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه اللّه، وهو من النعيم الذي ينالونه
في الجنة
الرجاء ثلاثة أقسام : نوعان محمودان ونوع مذموم
الأول : رجاء رجل يعمل بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب
الله الثاني : رجاء رجل إذنب وتاب إلي الله جل وعلا وهو يرجو
مغفرة الله عز وجل وقد تورثه هذه المعصية انكسارا وذلا لله سبحانه
تدفعه إلي الطاعة
القسم الثالث هو المذموم: رجاء رجل
متماد في المعاصي والذنوب تارك للعمل والطاعة وهو يرجو رحمة الله عز
وجل
أعلم أن العبد كلما قوى إيمانه تهيج عنده الخوف من النار والرجاء
للجنة ولذلك من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع
عن المحرمات
ولذا ينبغي أن يكون خوف العبد ورجاؤه واحدا، أي : يجعلهما كجناحي
الطائر، والجناحان للطائر إذا لم يكونا متساويين سقط. وهذا من أفضل ما
يعين على الاستقامة على الدين
فالمؤمن ينبغي أن يسعى إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، ويغلب الرجاء
في جانب الطاعة لينشط عليها ويؤمل قبولها، ويغلب الخوف إذا هم بالمعصية
ليهرب منها وينجو من عقابها.
وعلى هذا فالعبد يسعى بين الخوف والرجاء على حسب ما يتناسب وحاله مع
الطاعة والمعصية سعياً لصلاح نفسه
فقد يعرض للإنسان حالات يغلب فيها الرجاء وحالات يغلب فيها الخوف
لكن مع ذلك لانحكم به على كل فرد من الناس
ولذا ينبغي على الواعظ الموجه للنصح سواء كان أباً أو مربياً أن يراعي
حال من يتعامل معه ويقدم له التوجيه المناسب, فمثلاً عندما يوجه عبداً
واقع في معصية إدمان المخدرات والتي تتم باجتراف مجموعة من معاصي كثيرة
معها وصار صاحبها لا يردعه الخوف من العواقب الأخروية ولا العقوبات
الدنيوية أي لا يردعه قرآن ولا سيف سلطان, وربما يكون وقع في إحباط أو
دخل في دور يأس من أن ينصلح حاله أصلاً, فهذا توجيه الصلاح له يكون
بترغيبه في فضل الله ليطمع في رحمته وغفرانه ويرجوا جنته فيقبل على
طلبها من خلال إسماعه لآيات وأحاديث الترغيب والرجاء كقوله تعالى ﴿
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾[الحجر
الآية (49)]
وقوله في الحديث القدسي{ يا ابن آدم إنك ما
دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت
ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو
أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها
مغفرة}[1]
لأن واقع حال المدمنين أن أغلبهم يستجيبوا للترغيب أكثر من الاستجابة
للترهيب والإنكار كما فعل العالم مع قاتل المائة نفس فقد جاء إليه وهو
قاتل مائة نفس فطمعه في رحمة الله وأن له توبة ثم وجهه إلى تغيير
البيئة بترك القرية التي يفعل فيها المعاصي ليذهب إلى قرية أهلها صلحاء
فاستجاب واتجه لها مباشرة
وبذلك يتبين أن هناك حالات تنفع فيها تقديم الرجاء على الخوف, كما أن
هناك حالات تنفع فيها تقديم الخوف على الرجاء إذا كان الترهيب يخيفه
أكثر ويجعله يقبل على طاعة الله
فالموجه يكون حكيماً في توجيهه فيقدم ما يؤدي إلى صلاح العبد بالابتعاد
عن المعصية والأقبال على الطاعة
فإن وجد من يوجههم أن الذي يصلحهم أكثر التخويف من النار وعذاب الله
دون أن يجعل خوفه هذا يؤدي به إلى ترك العمل, فليقدم ذلك كما كان يبين
النبي صلى الله عليه وسلم من أمر ما رأه من الجنة والنار
فالواعظ لا بد أن يكون حكيماً يقدم الدواء الذي يحتاج الداء إليه
فيقدم الرجاء لرجل غلب عليه اليأس فترك العبادة أو رجل غلب عليه الخوف
فأسرف في المواظبة على العبادة حتى أضر بنفسه وأهله فهذان رجلان مائلان
عن الاعتدال إلى طرفي الإفراط والتفريط فيحتاجان إلى علاج يردهما إلى
الاعتدال
وأن هناك العاصي المغرور المتمني على الله مع الإعراض عن العبادة
واقتحام المعاصي فأدوية الرجاء تنقلب سموماً مهلكة في حقه, بل المغرور
لا يستعمل في حقه إلا أدوية الخوف والأسباب المهيجة له
فلهذا يجب أن يكون واعظ الخلق متلطفاً ناظراً إلى مواقع العلل معالجاً
لكل علة بما يضادها لا بما يزيد فيها فإن المطلوب هو العدل والقصد في
الصفات والأخلاق كلها وخير الأمور أوساطها فإذا جاوز الوسط إلى أحد
الطرفين عولج بما يرده إلى الوسط لا بما يزيد في ميله عن الوسط
وينتبه الواعظ أن لا يستعمل المبالغة في وعظه للخلق بأسباب الرجاء
لأنها أخف على القلوب وألذ عند النفوس فيكون غرضه استمالة القلوب كيفما
كانوا ليميلوا إلى الرجاء فيؤدي إلى زيادة الفساد فساداً وزيادة
المنهمكون في طغيانهم تمادياً
ولا المبالغة في التخويف أيضاً فلا يردهم إلى جادة الحق وسنن الصواب
قال علي رضى الله عنه: إنما العالم الذي لا يقنط الناس من رحمة الله
تعالى ولا يؤمنهم من مكر الله.
وإن احتاج الأمر إلى تنويع الأساليب وتنويع المواضيع فعل ذلك
كما يعرض القرآن الموافق لإصلاح القلوب فإذا سُمع ذكر النار، ووعيدها،
وعقوبتها أوجب ذلك الخوف, وإذا سُمع ذكر الجنة، ونعيمها، وثوابها أوجب
ذلك الرجاء, لأنه لا شك أن التنويع يعطي النفس قوة واندفاعاً، بخلاف ما
لو كان الكلام على وتيرة واحدة، فإن الإنسان قد يمل ولا تتحرك نفسه
[1]
الترمذي 3534 وقال حسن صحيح , حسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب
1616 , يرجع لرسال علاج العصيان بطالب الغفران للمشرف على الموقع