أولا: الاحتجاج بما كان عليه الآباء والأجداد
شبهة تكاد تكون مشتركة بين طوائف المشركين في مختلف الأمم، وهي شبهة
الاحتجاج بما كان عليه الآباء والأجداد، وأنهم ورثوا هذه العقيدة خلفا
عن سلف، كما قال الله تعالى عنهم: {وَكَذَلِكَ
مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ
مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}
وهذه حجة يلجأ إليها من يعجز عن إقامة الدليل على دعواه، وهي حجة
داحضة، لا يقام لها وزن في سوق المناظرة؛ فإن هؤلاء الآباء الذين
قلدوهم ليسوا على هدى، ومن كان كذلك؛ لا تجوز متابعته والاقتداء به.
قال تعالى ردا عليهم: {قَالَ أَوَلَوْ
جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}
، وقال تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ
آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} وقال
تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ
لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}
وإنما يكون الاقتداء بالآباء محمودا إذا كانوا على حق:
كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام أنه قال: {وَاتَّبَعْتُ
مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا
أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ}
وشبهة الاحتجاج بما كان عليه الآباء الضالون متغلغلة في نفوس المشركين،
يقابلون بها دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
فقوم نوح لما قال لهم نوح: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ فَقَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ
مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} ،
فجعلوا ما عليه آباءهم حجة يعارضون بها ما جاءهم به نبيهم نوح عليه
السلام.
وقوم صالح عليه السلام يقولون له: {أَتَنْهَانَا
أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}
وقوم إبراهيم يقولون له: {بَلْ
وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}
وفرعون يقول لموسى عليه السلام: {فَمَا
بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}