قال تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء لا 32]
الإسلام منع تصريف الغريزة في غير الطريق المشروع، فلذلك حرم الله
تعالى مجرد الاقتراب من الزنا والنهي عن قربان الزنا أبلغ من النهي عن مجرد فعله، لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ([114])
عن أبي أمامة أن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ’’ يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال صلى الله عليه وسلم ادنه فدنا منه قريباً، فقال اجلس فجلس، قال أتحبه لأمك ؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك ؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أتحبه لأختك ؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال أفتحبه لعمتك ؟ قال: لا والله, جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك ؟ قال: لا والله, جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، فوضع يده عليه، وقال اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه, فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء‘‘([115])
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ عفوا تعف نساؤكم ‘‘( [116])
فالجزاء من جنس العمل
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم ( [117])
وهذه قصة تدور حول هذا المعنى
’’ حكي أن رجلا سقاء بمدينة بخارى كان يحمل الماء إلى دار صائغ مدة ثلاثين سنة، وكان لذلك الصائغ زوجة صالحة في نهاية الحسن والبهاء، فجاء السقاء يوما على عادته وأخذ بيدها وعرها أي مسها بشهوة, فلما جاء زوجها من السوق قالت: ما فعلت اليوم خلاف رضا الله تعالى ؟ فقال ما صنعت شيئا، فألحت عليه، فقال جاءت امرأة إلى دكاني وكان عندي سوار فوضعته في ساعدها فأعجبني بياضها فعصرتها، فقالت الله أكبر هذه حكمة خيانة السقاء اليوم، فقال الصائغ أيتها المرأة إني تبت فاجعليني في حل فلما كان الغد جاء السقاء وقال يا صاحبة المنزل اجعليني في حل فإن الشيطان قد أضلني، فقالت امض فإن الخطأ لم يكن إلا من الشيخ الذي في الدكان، فإنه لما غير حاله مع الله بمس الأجنبية غير الله حاله معه بمس الأجنبي زوجته ‘‘
يقول شيخ الإسلام فإنه إذا كان يزني بنساء الناس كان هذا مما يدعو المرأة إلى أن تمكن غيره, كما هو الواقع كثيراً,فلم أر من يزني بنساء الناس أو ذكران إلا فيحمل امرأته على أن تزني بغيره مقابلة على ذلك ومغايظة,وأيضاً فإذا كان عادته الزنا استغنى بالبغايا, فلم يكف امرأته في الإعفاف, فتحتاج إلى الزنا, وأيضاً فإذا زنى بنساء الناس طلب الناس أن يزنوا بنسائه, كما هو الواقع فامرأة الزاني تصير زانية من وجوه كثيرة, وإن لم تزن بفرجها زنت بعينها وغير ذلك, فلا يكاد يعرف في نساء الرجال الزناة المصرين على الزنا الذين لم يتوبوا منه امرأة سليمة تامة, وطبع المرأة يدعوا الرجال الأجانب إذا رأت زوجها يذهب إلى النساء الأجانب ([118])
وحتى لا يعرض المرء نفسه ولا نسائه لذلك عليه أن يعي قوله تعالى{إِنَّمَا حَرَّمَ رَبيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأعراف 33] الفاحشة سواء منها الفاحشة الظاهرة وهي الزنا أو الفاحشة الباطنة وهي اللواط فهما من أعظم الفواحش وأقبحها، وأشدها خطراً وضرراً على الدين
[114]ابن سعدي عند تفسير الآية 32 من سورة الإسراء
[115] المسند 5/256 , الطبراني في الكبير 8/163 , 183 , مسند الشامين 2/139, صحح الألباني في الصحيحة 370 الدعاء بدون القصة
[116] الطبراني في الأوسط 1006 , الحاكم 4/154 وصححه
[117] هذه الأبيات مما تنسب إلى الإمام الشافعي
[118] الفتاوي الكبرى لابن تيمية 32/120