من وقاية الشريعة للمرء من الإفتان بغيره أنها نهت الرجل عن الدخول على المغيبة التي غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد
لقوله صلى الله عليه وسلم” لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ‘‘([110])
وكان أبو بكر رضي الله عنه تزوج أسماء بنت عميس بعد جعفر بن أبي طالب فأقبل داخلاً على أسماء فإذا نفر جلوس في بيته فرجع إلى نبي الله وأخبره, فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ” أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لم أر إلا خيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان ‘‘([111])
وقال عمر بن الخطاب ’’ لا يدخل رجل على مغيبة فقام رجل فقال إن أخاً لي أو ابن عم لي خرج غازيا وأوصاني بأهله فأدخل عليهم فضربته بالدرة ثم قلت ادن كذا ادن دونك وقم على الباب لا تدخل فقل ألكم حاجة أتريدون شيئا ‘‘([112])
وكل هذه النصوص التي وردت تبين أن الشريعة الإسلامية تمنع اختلاط الرجال بالنساء الذي هو سبب لكثرة الفواحش والزنا
وقد جبل الرجال على الميل إلى النساء ، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين ، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ ، لأن النفوس أمارة بالسوء ، والهوى يعمي ويصم ، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر
فالإسلام يحرم جميع الأسباب والطرق ، وكل الدواعي والمقدمات التي تؤدي للوقوع في الفاحشة
حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيدا عما يتعلق بالدنيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ‘‘ وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف ، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف, فإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال وذم أول صفوفهن لعكس ذلك
وكل هذه الأحاديث صريحة في تحريم الأسباب المفضية إلى الاختلاط بين الرجال والنساء فقد حرمت الدخول على الأجنبية والخلوة بها ، وتحريم سفر المرأة بلا محرم ، وتحريم النظر العمد من أي منهما إلى الآخر ، وتحريم دخول الرجال على النساء حتى الأحماء ، وهم أقارب الزوج ، وتحريم مس الرجل بدن الأجنبية ، كل هذا من حرص الشريعة على التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم ([113])
ولذا ينبغي الحذر من الاختلاط في دور التعليم والجامعات في بلاد المسلمين والذي سلمت منه بعض بلاد المسلمين منها بلاد الحرمين زادها الله تمسكا بشرعه فسلمت من الآثار السلبية للاختلاط ، والتي تعاني منها جُّل البلاد التي يوجد بها الاختلاط إسلامية كانت أو غير إسلامية
فهناك دراسات في بلاد ممن تعاني من الاختلاط أكدت أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحاً بالحرام بالرضا أو الإكراه ، ثم الحمل منه ، ثم الإجهاض أو ولادة الأطفال اللقطاء ، ثم الانحرافات السلوكية لهؤلاء الأطفال ، ثم الجرائم العدوانية لهم كبارا ، وهكذا في سلسلة طويلة من المشاكل الأخلاقية ، والأخطار الأمنية التي تكلف المجتمع كثيرا .
وفي بعض الجامعات المختلطة لبلاد المسلمين كثر فيها زواجات في السر دمروا بها العلاقات الأسرية
فالحذر كل الحذر من دعاة الاختلاط حتى لا يتحقق سعيهم في تعميم الفساد في المجتمعات, ثم بعد أن تغرق المجتمعات في الرذيلة يطالبون بالنجاة ثم يدّعون أن لديهم الحل المناسب وهو فصل الجنسين عن بعض, ليس لأنهم استمدوه من الشريعة الإسلامية التي تنهي عن الاختلاط, ولكن لأنه العلاج الأمثل في الغرب, بلاد التقدم والحضارة وتم تطبيقه وحقق نتائج ملموسة لديهم, ولا بد من الأخذ به ثم يهللون له ويطالبون به
[110] المسند 3/309 , الترمذي 1172 , الدارمي 2/411 , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1172
[111] مسلم 2173 , الطبراني في الأوسط 8/339 , البيهقي في الكبرى 5/104
[112] مصنف عبد الرزاق 7/137
[113] الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله