من الأصل الرابع في العقيدة وهو الإيمان بالرسل
كرامة الأولياء
كنا قد تكلمنا عن آيات الأنبياء والفرق بينها وبين
خوارق السحرة والكهان وعجائب المخترعات الحديثة وما لها من الآثار.
وسنتكلم إن شاء الله عن كرامات الأولياء؛ لأن لها
ارتباطا وثيقا بآيات الأنبياء، ونبين الفرق بينها وبين خوارق السحرة
والمشعوذين أيضا، فنقول:
أولياء الله عز وجل هم المؤمنون المتقون؛ كما قال الله
تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
فكل مؤمن تقي؛ فهو ولي لله عز وجل بقدر إيمانه وتقواه،
وقد يظهر الله على يديه من خوارق العادات، وهي ما يسمى بالكرامات.
فالكرامة خارق للعادة يجريه الله على يد بعض الصالحين
من أتباع الرسل إكراما من الله له ببركة اتباعه للرسل صلوات الله
وسلامه عليهم.
وليس كل ولي تحصل له كرامة، وإنما تحصل لبعضهم: إما
لتقوية إيمانه، أو لحاجته، أو لإقامة حجة على خصمه المعارض في الحق.
والأولياء الذين لم تظهر لهم كرامة لا يدل ذلك على
نقصهم؛ كما أن الذين وقعت لهم الكرامة لا يدل ذلك على أنهم أفضل من
غيرهم.
وكرامات الأولياء حق بإجماع أئمة الإسلام والسنة
والجماعة، وقد دل عليها القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وإنما ينكرها
أهل البدع من المعتزلة والجهمية ومن تابعهم، وهذا إنكار لما هو ثابت في
القرآن والسنة.
ففي القرآن الكريم: قصة أصحاب الكهف، وقصة
مريم...
وفي السنة الصحيحة؛ مثل نزول الملائكة كهيئة الظلة
فيها أمثال السرج لاستماع قراءة أسيد بن حضير رضي الله عنه، وسلام
الملائكة على عمران بن حصين رضي الله عنه... ولها أمثلة كثيرة.
ومن أراد الاطلاع على هذه المسألة؛ فليراجع كتاب
"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"لشيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله.
وقد حصل في موضوع كرامات الأولياء التباس وخلط عظيم
بين الناس:
فطائفة أنكروا وقوعها ونفوها بالكلية، وهم الجهمية
والمعتزلة ومن تبعهم، فخالفوا النصوص وكابروا الواقع.
وطائفة غلت في إثباتها، وهم العوام وعلماء الضلال،
فأثبتوا كرامات للفجرة والفساق ومن ليسوا من أولياء الله بل من أولياء
الشيطان، واعتمدوا في إثبات ذلك على الحكايات المكذوبة والمنامات
والخوارق الشيطانية، فادعوا الكرامات للسحرة والمشعوذين والدجالين من
مشايخ الطرق الصوفية والمخرفين، حتى عبدوهم من دون الله؛ أحياء
وأمواتا، وبنوا الأضرحة على قبور من يزعمون لهم الولاية ممن حيكت لهم
الدعايات العريضة ونسب إليهم التصرف في الكون وقضاء حوائج من دعاهم
وطلب منهم المدد واستغاث بهم، وسموهم الأقطاب والأغواث بسبب تلك
الكرامات المزعومة والحكايات المكذوبة.
فقد اتخذت دعوى الكرامات ذريعة لعبادة من نسبت إليه،
وربما سموا الشعوذة والتدجيل والسحر كرامة؛ لأنهم لا يفرقون بين
الكرامة والأحوال الشيطانية، ولا يفرقون بين أولياء الرحمن وأولياء
الشيطان، وإلا؛ فمن المعلوم أنه حتى من ثبت أنه ولي لله بنص من القرآن
أو السنة، وإن جرى على يده كرامة من الله؛ فإنه لا يجوز أن يعبد من دون
الله، ولا أن يتبرك به أو بقبره؛ لأن العبادة حق لله وحده.
وهناك فروق بين كرامات الأولياء وخوارق السحرة
والمشعوذين والدجالين:
منها: أن كرامات الأولياء سببها التقوى والعمل
الصالح، وأعمال المشعوذين سببها الكفر والفسوق والفجور.
ومنها: أن كرامات الأولياء يستعان بها على البر
والتقوى أو على أمور مباحة، وأعمال المشعوذين والدجالين يستعان بها على
أمور محرمة؛ من الشرك والكفر وقتل النفوس.
ومنها: أن كرامات الأولياء تقوى بذكر الله وتوحيده،
وخوارق السحرة والمشعوذين تبطل أو تضعف عند ذكر الله وقراءة القرآن
والتوحيد.
فتبين بهذا أن بين كرامات الأولياء وتهريجات المشعوذين
والدجالين فروقا تميز الحق من الباطل.
وكما ذكرنا؛ فإن أولياء الله حقا لا يستغلون ما يجريه
الله على أيديهم من الكرامات للنصب والاحتيال ولفت أنظار الناس إلى
تعظيمهم، وإنما تزيدهم تواضعا ومحبة لله وإقبالا على عبادته؛ بخلاف
هؤلاء المشعوذين والدجالين؛ فإنهم يستغلون هذه الأحوال الشيطانية التي
تجري على أيديهم لجلب الناس إلى تعظيمهم والتقرب إليهم وعبادتهم من دون
الله عز وجل، حتى كون كل واحد منهم له طريقة خاصة وجماعة تسمى باسمه؛
كالشاذلية، والرفاعية، والنقشبندية... إلى غير ذلك من الطرق
الصوفية.
والحاصل أن الناس انقسموا في موضوع الكرامات إلى ثلاث
أقسام:
قسم غلوا في نفيها حتى أنكروا ما هو ثابت في الكتاب
والسنة من الكرامات الصحيحة التي تجري على وفق الحق لأولياء الله
المتقين.
وقسم غلوا في إثبات الكرامات حتى اعتقدوا أن السحر
والشعوذة والدجل من الكرامات، واستغلوها وسيلة للشرك والتعلق بأصحابها
من الأحياء والأموات، حتى نشأ عن ذلك الشرك الأكبر بعبادة القبور
وتقديس الأشخاص والغلو فيهم؛ لما يزعمونه لهم من الكرامات والخرافات.
والقسم الثالث: وهم أهل السنة والجماعة، توسطوا في
موضوع الكرامات بين الإفراط والتفريط، فأثبتوا منها ما أثبته الكتاب
والسنة، ولم يغلوا في أصحابها، ولم يتعلقوا بهم من دون الله، ولا
يعتقدون فيهم أنهم أفضل من غيرهم، بل هناك من أولياء الله من هو أفضل
منهم، ولم تجر على يديه كرامة، ونفوا ما خالف الكتاب والسنة من الدجل
والشعوذة والنصب والاحتيال، واعتقدوا أنه من عمل الشيطان، وليس هو من
كرامات الأولياء.
فلله الحمد والمنة على وضوح الحق وافتضاح الباطل؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}