الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل أحد أصول الإيمان؛ لأنهم الواسطة بين
الله وبين خلقه في تبليغ رسالاته وإقامته حجته على خلقه.
والإيمان بهم يعني: التصديق برسالتهم، والإقرار
بنبوتهم، وأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله، وقد بلغوا الرسالات،
وبينوا للناس ما لا يسع أحدا جهله.
والأدلة على وجوب الإيمان بالرسل كثيرة؛ منها:
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ} .
وقوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْ رُسُلِهِ} .
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ
بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ
وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ حَقًّا} .
ففي هذه الآيات قرن الله الإيمان بالرسل بالإيمان به
سبحانه وبملائكته وكتبه، وحكم بكفر من فرق بين الله ورسله؛ فآمن ببعض
وكفر ببعض.
وبعث الرسل نعمة من الله على البشرية؛ لأن حاجة
البشرية إليهم ضرورية؛ فلا تنتظم لهم حال ولا يستقيم لهم دين إلا بهم؛
فهم يحتاجون إلى الرسل أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الله
سبحانه جعل الرسل وسائط بينه وبين خلقه في تعريفهم بالله وبما ينفعهم
وما يضرهم، وفي تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه
الله وما يكرهه؛ فلا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من جهة الرسل؛ فإن العقل
لا يهتدي إلى تفصيل هذه الأمور، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من
حيث الجملة.
قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً
فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ
مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ} .
وحاجة العباد إلى الرسالات أعظم بكثير من حاجة المريض
إلى الطبيب؛ فإن غاية ما يحصل بعدم وجود طبيب تضرر البدن، والذي يحصل
من عدم الرسالة هو تضرر القلوب، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار
الرسالة موجودة فيهم؛ فإذا ذهبت آثار الرسالة من الأرض؛ أقام الله
القيامة.
والرسل الذين ذكر الله أسماءهم في القرآن يجب الإيمان
بأعيانهم وهم خمسة وعشرون، منهم ثمانية عشر ذكرهم الله في قوله:
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}
إلى قوله: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} ،
والباقون- وهم سبعة- ذكروا في آيات متفرقة.
ومن لم يسم في القرآن من الرسل؛ وجب الإيمان به
إجمالا؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ
مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ
عَلَيْكَ} ، وقال تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ
مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} .
وهنا مسألة تحتاج إلى بيان وهي: الفرق بين النبي
والرسول:
فالفرق بين النبي والرسول على المشهور: أن الرسول
إنسان ذكر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه. والنبي إنسان ذكر أوحي إليه
بشرع ولم يؤمر بتبليغه.
وكل من النبي والرسول يوحى إليه، لكن النبي قد يبعث في
قوم مؤمنين بشرائع سابقة؛ كأنبياء بني إسرائيل؛ يأمرون بشريعة التوراة،
وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة. وأما الرسل؛ فإنهم يبعثون
في قوم كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته؛ فهم يرسلون إلى مخالفين
فيكذبهم بعضهم.
والرسول أفضل من النبي.
والرسل يتفاضلون؛ قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .
وأفضل الرسل أولو العزم، وهم خمسة: نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وهم المذكورون في قوله
تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ
وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} ، وفي قوله:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى} .
وأفضل أولو العزم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما
وعليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
وأفضل الخليلين محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا؛ والنبوة تفضُّل واختيار من الله تعالى؛ كما قال
تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ
النَّاسِ} .
وليست النبوة كسبا يناله العبد بالجد، والاجتهاد،
وتكلف أنواع العبادات، واقتحام أشق الطاعات، والدأب في تهذيب النفس
وتنقية الخاطر وتطهير الأخلاق ورياضة النفس؛ كما يقول الفلاسفة: إنه
يجوز اكتساب النبوة؛ حيث يزعمون أن من لازم المشاهدة بعد كمال ظاهره
وباطنه بالتهذيب والرياضة؛ فإنها تنصقل مرآة باطنه، وتفتح له بصيرة
لبه، ويتهيأ له ما لا يتهيأ لغيره!!
فللنبوة عند الفلاسفة ثلاث خصائص:
الأولى. القوة العلمية؛ بحيث ينال العلم بدون تعلم
بل بطريق القوة.
الثانية. قوة التخيل؛ بحيث يتخيل في نفسه أشكالا
نورانية تخاطبه ويسمع الخطاب منها.
الثالثة. قوة التأثير في الناس، وهي التي يسمونها
التصرف في هيولى العالم.
وهذه الصفات عندهم تحصل بالاكتساب.
ولهذا طلب النبوة بعض المتصوفة؛ فهي عندهم صنعة من
الصنائع، وهذا قول باطل، يرد عليه قول الله تعالى: {قَالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ
أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ، وقوله تعالى: {اللَّهُ
يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} .
فالنبوة اصطفاء من الله حسب حكمته وعلمه بمن يصلح لها،
وليست اكتسابا من قبل العبد.
صحيح أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اختصوا بفضائل يمتازون بها عن غيرهم، ولكن ليست على النحو الذي يقوله الفلاسفة الضلَّال