دلائل النبوة
من الأصل الرابع في العقيدة
دلائل النبوة هي الأدلة التي تعرف بها نبوة النبي
الصادق، ويعرف بها كذب المدعي للنبوة من المتنبئين الكذبة؛ لأن هذا
موضوع هام جدا.
ودلائل النبوة كثيرة ومتنوعة وغير محصورة؛ فمنها:
1. المعجزة: وهي اسم فاعل من العجز المقابل
للقدرة، وفي القاموس: معجزة النبي: ما أعجز به الخصم عند التحدي،
والهاء فيها للمبالغة، وهي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد من
يختاره لنبوته ليدل على صدقه وصحة رسالته.
ومعجزات الرسل عليهم الصلاة والسلام كثيرة: منها
الناقة التي أوتيها صالح عليه السلام حجة على قومه، وقلب العصا حية آية
لموسى عليه السلام، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى آية لعيسى
عليه السلام، ومنها معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة،
أعظمها القرآن الكريم، وهو المعجزة الخالدة التي تحدى الله بها الجن
والإنس، ومنها الإسراء والمعراج وانشقاق القمر وتسبيح الحصا في كفه
عليه الصلاة والسلام وحنين الجذع إليه وإخباره عن حوادث المستقبل
والماضي...
ودلائل النبوة ليست محصورة في المعجزة كما يقوله
المتكلمون، بل هي كثيرة متنوعة؛ فمنها أيضا:
2. إخبارهم الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان
أعدائهم وبقاء العاقبة لهم، فوقع كما أخبروا، ولم يتخلف منه شيء؛ كما
حصل لنوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وموسى ونبينا محمد صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين مما قصه الله في كتابه.
3. ومنها أن ما جاءوا به من الشرائع والأخبار في
غاية الإحكام والإتقان وكشف الحقائق وهدي الخلق مما يعلم بالضرورة أن
مثله لا يصدر إلا عن أعلم الناس وأبرهم.
4. ومنها أن الله يؤيدهم تأييدا مستمرا، وقد علم من
سنته سبحانه أنه لا يؤيد الكذاب بمثل ما يؤيد به الصادق، بل لابد أن
يفتضح الكذاب، وقد يمهله الله ثم يهلكه.
5. ومنها: أن طريقتهم واحدة فيما يأمرون به من
عبادة الله والعمل بطاعته والتصديق باليوم الآخر والإيمان بجميع الكتب
والرسل؛ فلا يمكن خروج واحد منهم عما اتفقوا عليه؛ فهم يصدق متأخرهم
متقدمهم، ويبشر متقدمهم بمتأخرهم؛ كما بشر المسيح ومن قبله بمحمد صلى
الله عليه وسلم، وكما صدق محمد صلى الله عليه وسلم جميع النبيين
قبله...
6. ومن دلائل النبوة: تأييد الله للأنبياء؛ فقد
علم من سنة الله وعادته أنه لا يؤيد الكذاب بمثل ما يؤيد به الصادق، بل
يفضح الكذاب ولا ينصره، بل لابد أن يهلكه، وإذا نصر ملكا ظالما مسلطا؛
فهو لم يدع النبوة ولم يكذب عليه، بل هو ظالم سلطه الله على ظالم مثله؛
كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي
بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ؛
بخلاف من قال: إن الله أرسله وهو كاذب؛ فهذا لا يؤيده تأييدا مستمرا،
لكن قد يمهله مدة ثم يهلكه.
والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما هو دون
دعوى النبوة؛ فكيف بدعوى النبوة؟!
ومعلوم أن مدعي الرسالة: إما أن يكون من أفضل الخلق
وأكمله، وإما أن يكون من أنقص الخلق، ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي
صلى الله عليه وسلم لما بلغهم ودعاهم إلى الإسلام فقال له: "والله؛
لا أقول لك كلمة واحدة: إن كنت صادقا؛ فأنت أجل في عيني من أن أرد
عليك، وإن كنت كاذبا؛ فأنت أحقر من أن أرد عليك". فكيف يشتبه أفضل
الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم؟!
وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين؛ إلا وقد ظهر عليه
من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر به كذبه لمن له
أدنى تمييز، وما من أحد ادعى النبوة من الصادقين؛ إلا وقد ظهر عليه من
العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر به صدقه لمن له أدنى تمييز؛
فإن الرسول لابد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور ولابد أن يفعل
أمورا، والكاذب يظهر من نفس ما يأمر به ويخبر عنه ويفعله ما يظهر به
كذبه من وجوه كثيرة.
هذا؛ وربما يسأل سائل عن الفرق بين دلائل النبوة
وخوارق السحرة والكهان وعجائب المخترعات التي ظهرت اليوم؟
والجواب: أن هناك فوارق كثيرة بين دلائل النبوة
وخوارق السحرة والكهان والمخترعات الصناعية:
منها: أن أخبار الأنبياء لا يقع فيها تخلف ولا غلط؛
بخلاف أخبار الكهنة والمنجمين؛ فالغالب عليها الكذب، وإن صدقوا أحيانا
في بعض الأشياء بسبب ما يحصل عليه الكهان من استراق شياطينهم للسمع.
ومنها: أن السحر والكهانة والاختراع أمور معتادة
معروفة ينالها الإنسان بكسبه وتعلمه؛ فهي لا تخرج عن كونها مقدرة للجن
والإنس، ويمكن معارضتها بمثلها؛ بخلاف آيات الأنبياء؛ فإنها لا يقدر
عليها جن ولا إنس؛ كما قال تعالى: {قُلْ
لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ
هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} ؛ فآيات الأنبياء لا يقدر عليها الخلق، بل
الله هو الذي يفعلها آية وعلامة على صدقهم؛ كانشقاق القمر وقلب العصا
حية وتسبيح الحصا بصوت يسمع وحنين الجذع وتكثير الماء والطعام
القليل... فهذا لا يقدر عليه إلا الله.
ومنها: أن الأنبياء مؤمنون مسلمون يعبدون الله وحده
بما أمر ويصدقون جميع ما جاءت به الأنبياء، وأما السحرة والكهان
والمتنبئون الكذبة؛ فلا يكونون إلا مشركين مكذبين ببعض ما أنزل الله.
ومنها: أن الفطر والعقول توافق ما جاء به الأنبياء
عليهم السلام، وأما السحرة والكهان والدجالون الكذابون؛ فإنهم يخالفون
الأدلة السمعية والعقلية والفطرية.
ومنها: أن الأنبياء جاءوا بما يكمل الفطر والعقول،
والسحرة والكهان والكذبة يجيئون بما يفسد العقول والفطر.
ومنها: أن معجزات الأنبياء لا تحصل بأفعالهم هم،
وإنما يفعلها الله عز وجل آية وعلامة لهم؛ كانشقاق القمر وقلب العصا
حية والإتيان بالقرآن والإخبار بالغيب الذي يختص الله به... فأمر
الآيات إلى الله لا إلى اختيار المخلوق؛ كما قال الله لنبيه عندما
طلبوا منه أن يأتي بآية؛ قال: {قُلْ
إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}
، وأما خوارق السحرة والكهان والمخترعات الصناعية؛ فإنها تحصل بأفعال
الخلق.
والفوارق بين آيات الأنبياء وخوارق الكهان كثيرة واضحة، ومن أراد المزيد؛ فليراجع كتاب "النبوات"لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.