من الأصل الرابع في العقيدة
ذكر خصائص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إجمالا
للرسول محمد صلى الله عليه وسلم خصائص اختص بها عن
غيره من الأنبياء، وخصائص اختص بها عن أمته:
والخصائص التي اختُصَّ بها عن غيره من الأنبياء كثيرة؛
منها:
1- أنه خاتم النبيين: قال تعالى: {مَا
كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، وقال صلى الله عليه
وسلم: (أنا خاتم النبيين، لا نبي
بعدي) .
2- المقام المحمود، وهو الشفاعة العظمى؛ كما في قوله
تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ، وكما في حديث الشفاعة الطويل
المتفق على صحته: أن الله يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيقول
بعض الناس لبعض: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، ألا ترون إلى ما قد
بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم، فيأتون آدم، ثم نوحا، ثم
إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم إلى محمد؛ صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين؛ فكلهم يقول: اذهبوا إلى غيري؛ إلا محمدا صلى الله عليه وسلم؛
فإنه يقول: أنا لها. فيخر ساجدا إلى أن يؤذن له بالشفاعة، وبهذا
يظهر فضله على جميع الخلق، واختصاصه بهذا المقام.
3- عموم بعثته إلى الثقلين الجن والإنس؛ قال تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} ، {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} ، {تَبَارَكَ
الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيرًا} ، {وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، {وَإِذْ
صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى
قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} ، وهذا مجمع عليه.
والآيات التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم
فيها خطاب لجميع الخلق الجن والإنس؛ إذ كانت رسالته عامة للثقلين، وإن
كان من أسباب النزول ما كان موجودا في العرب؛ فليس شيء من الآيات مختصا
بالسبب المعين الذي نزل فيه باتفاق المسلمين؛ فلم يقل أحد من
المسلمين: إن آيات الطلاق أو الظهار أو اللعان أو حد السرقة
والمحاربين... وغير ذلك يختص بالشخص المعين الذي كان سبب نزول
الآية.
والمقصود هنا: أن بعض آيات القرآن- وإن كان سببه
أمورا كانت في العرب-؛ فحكم الآيات عام يتناول ما تقتضيه الآيات لفظا
ومعنى في أي نوع كان، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث إلى الإنس والجن؛
فدعوته شاملة للثقلين الإنس والجن على اختلاف أجناسهم؛ فلا يظن أنه خص
العرب بحكم من الأحكام أصلا، بل إنما علق الأحكام باسم مسلم وكافر
ومؤمن ومنافق وبر وفاجر ومحسن وظالم وغير ذلك من الأسماء المذكورة في
القرآن والحديث، وليس في القرآن ولا الحديث تخصيص العرب بحكم من أحكام
الشريعة، وإنما علق الأحكام بالصفات المؤثرة فيما يحبه الله وفيما
يبغض؛ فأمر بما يحبه الله ودعا إليه بحسب الإمكان، ونهى عما يبغضه الله
وحسم مادته بحسب الإمكان، لم يخص العرب بنوع من أنواع الأحكام الشرعية؛
إذ كانت دعوته لجميع البرية، لكن نزل القرآن بلسانهم- بل بلسان قريش-
لأجل التبليغ؛ لأنه بلغ قومه أولا، ثم بواسطتهم بلغ سائر الأمم، وأمره
بتبليغ قومه أولا، ثم بتبليغ الأقرب فالأقرب إليه؛ كما أمر بجهاد
الأقرب فالأقرب.
وكما كان صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى الإنس؛ فهو
مبعوث أيضا إلى الجن، فقد استمع الجن لقراءته، وولوا إلى قومهم منذرين؛
كما أخبر الله عز وجل، وهذا متفق عليه بين المسلمين.
وقد ذكر الله في القرآن من خطاب الثقلين ما يبين هذا
الأصل؛ كقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}
الآية.
وقد أخبر الله عن الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّا
مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ
قِدَدًا} ؛ أي: مذاهب شتى؛ مسلمون وكفار، وأهل سنة وأهل
بدعة. وقالوا: {وَأَنَّا مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} الآية، والقاسط:
الجائر، يقال: قسط: إذا جار، وأقسط: إذا عدل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يجب على الإنسان أن
يعلم أن الله عز وجل أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين
الإنس والجن، وأوجب عليهم الإيمان به وبما جاء به وطاعته، وأن يحللوا
ما حلل الله ورسوله، ويحرموا ما حرم الله ورسوله، ويحبوا ما أحبه الله
ورسوله، ويكرهوا ما كرهه الله ورسوله، وأن كل من قامت عليه الحجة
برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الإنس والجن فلم يؤمن به؛ استحق
عقاب الله تعالى؛ كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم
الرسول، وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة
المسلمين وسائر طوائف المسلمين أهل السنة والجماعة وغيرهم رضي الله
عنهم أجمعين.
4- ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم الذي
أذعن لإعجازه الثقلان، وأحجم عن معارضته مصاقيع الإنس والجان، واعترف
بالعجز عن الإتيان بأقصر سورة من مثله أهل الفصاحة والبلاغة من سائر
الأديان، وقد سبق تفصيل ذلك.
5- ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم المعراج إلى
السماوات العلى، إلى سدرة المنتهى، إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام
فكان قاب قوسين أو أدنى.
وأما الخصائص التي اختص بها دون أمته:
فقد قال القرطبي في "تفسيره": "خص الله تعالى
رسوله من أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد في باب الفرض
والتحريم والتحليل؛ مزية على الأمة، وهبة له، ومرتبة خص بها؛ ففرضت
عليه أشياء ما فرضت على غيره، وحرمت عليه أشياء لم تحرم عليهم، وحللت
له أشياء لم تحلل لهم؛ منها متفق عليه، ومنها مختلف فيه..."ثم
ذكر هذه الخصائص:
فمنها: التهجد بالليل، يقال: إن قيام اليل كان
واجبا عليه إلى أن مات؛ لقوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} ،
والمنصوص أنه كان واجبا عليه، ثم نسخ بقوله تعالى: {وَمِنَ
اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} .
ومنها: أنه إذا عمل عملا؛ أثبته.
ومنها: تحريم الزكاة عليه وعلى آله.
ومنها: أنه أحل له الوصال في الصيام.
ومنها: أنه أحل له الزيادة على أربع نسوة.
ومنها: أنه أحل له القتال بمكة.
ومنها: أنه لا يورث.
ومنها: بقاء زَوجِيَّتِهِ بعد الموت، وإذا طلق
امرأته؛ تبقى حرمته عليها فلا تنكح...
إلى غير ذلك من الخصائص النبوية.
ولنتكلم عن ثلاث من أعظم خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي: الإسراء والمعراج، وعموم رسالته، وختم النبوة به صلى الله عليه وسلم