3-
3-ختم
الرسالات ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم
لقد ختم الله سبحانه وتعالى النبوة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ
أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ} .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا
خاتم النبيين؛ لا نبي بعدي) .
وذلك يستلزم ختم المرسلين؛ إذ ختم الأعم يستلزم ختم الأخص.
ومعنى ختم النبوة بنبوته عليه الصلاة والسلام: أنه لا تبدأ نبوة ولا
تشرع شريعة بعد نبوته وشرعته.
وأما نزول عيسى في آخر الزمان؛ فلا ينافي ذلك؛ لأن عيسى عليه السلام
إذا نزل إنما يتعبد بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون شريعته
المتقدمة؛ لأنها منسوخة، فلا يتعبد إلا بهذه الشريعة أصولا وفروعا،
فيكون خليفة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وحاكما من حكام ملته بين
أمته.
فهذا النبي الخاتم للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد بعث
بخير كتاب وأتم شريعة وأفضل ملة وأكمل دين، جاء بشريعة كافية لحاجة
الخليقة في كل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، وكمل به عقد النبيين؛
فلا نبي بعده.
وفي "الصحيحين"وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (مثلي
ومثل الأنبياء من بعدي كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها؛ إلا موضع
لبنة، فجعل الناس يدخلون ويعجبون منها ويقولون لولا موضع لبنة)
. زاد مسلم: (فجئت فختمت
الأنبياء) .
وفي "الصحيحين"أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه...
معناه، وفيه: (فجعل الناس يطوفون
به ويقولون هلا وضعت اللبنة؛ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كانت
بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي؛ خَلَفَهُ نبي، وإنه لا نبي
بعدي، وسيكون خلفاء) . رواه البخاري.
وعن جابر بن سمرة؛ قال: "رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلى الله
عليه وسلم كأنه بيضة حمام". رواه مسلم.
قال الحافظ في "الفتح": "قال القرطبي: اتفقت الأحاديث
الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر قدره
إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر جمع اليد(1)،
والله أعلم.
قال العلماء: "السر في ذلك أن القلب في تلك الجهة:
قال السهيلي: وضع خاتم النبوة عند كتفه صلى الله عليه وسلم لأنه
معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان.
وقال الحافظ ابن كثير: فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد صلى
الله عليه وسلم إليهم، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به،
وإكمال الدين الحنيف له، وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله
صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛
ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده؛ فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل،
ولو تخرف وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات؛ فكلها محال
وضلال عند أولي الألباب؛ كما أجرى الله تعالى على يد الأسود العنسي
باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة
ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله...
وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة، حتى يختموا بالمسيح الدجال؛ فكل
واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء
والمؤمنون بكذب من جاء بها، وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه؛ فإنهم
بضرورة الواقع- أي الكذابون- لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا
على سبيل الاتقاء، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره، ويكونون في
غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم؛ كما قال تعالى: {هَلْ
أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى
كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} .
وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فإنهم في غاية الصدق
والرشد والاستقامة والعدل فيما يقولونه ويأمرون به وينهون عنه، مع ما
يؤيدون به من الخوارق للعادات والأدلة الواضحات والبراهين الباهرات؛
فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسماوات.
وليس الناس بحاجة إلى بعثة نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لكمال
شريعته ووفائها بحاجة البشرية.
وماذا عسى أن يقتضي بعثة نبي جديد بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟
وإن قيل: إن الأمة قد فسدت؛ فالعمل على إصلاحها يحتاج إلى بعثة نبي
جديد.
قلنا: هل بعث نبي في الدنيا لمجرد الإصلاح حتى يبعث في هذا الزمان
لمجرد هذا الغرض؟! إن النبي لا يبعث إلا ليوحى إليه، ولا تكون
الحاجة إلى الوحي إلا لتبليغ رسالة جديدة أو إكمال رسالة متقدمة أو
لتطهيرها من شوائب التحريف والتبديل، فلما قضت كل هذه الحاجات إلى
الوحي بحفظ القرآن وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وإكمال الدين على يده
صلى الله عليه وسلم؛ لم تبق الحاجة الآن إلى الأنبياء، وإنما هي إلى
المصلحين..."اهـ. بتصرف يسير من الرد على القاديانية.
وقد أعلن الله ختم النبوات والرسالات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم في
قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} .
ومن البديهي الذي لا يقبل الاعتراض أن استمرار بقاء القرآن الحاوي
بشرائعه وأحكامه أسس مطالب البشر التشريعية كلها محفوظا كما أنزل على
محمد مع استمرار بقاء سيرة الرسول وسنته المبينة لمعاني القرآن صحيحة
ثابتة هو بمثابة استمرار وجود الرسول فينا على قيد الحياة؛ قال
تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ، والرد إلى
الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول بعد وفاته هو الرد إلى سنته،
وبذلك فقد أصبح العالم بغنية عن بعث أنبياء وإرسال رسل وتجديد شرائع
للناس بعد محمد صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه لو بعث الله رسلا
وأنبياء؛ فلن يحدثوا شيئا ولن يزيدوا على ما جاء به الرسول محمد من أسس
في العقيدة أو في التشريع؛ فقد أكمل الله الدين وأتم الشريعة؛ حيث
يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ دِينًا} ، وإن كان الغرض من إرسال الرسل هو نشر
هذه الرسالة ودعوة الناس إليها؛ فهذه وظيفة علماء المسلمين؛ فعليهم أن
يقوموا بتبليغ هذه الدعوة للناس.
فمن ادعى عدم ختم النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، أو صدق من يدعي
ذلك؛ فهو مرتد عن دين الإسلام.
ولهذا حكم الصحابة على من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم بالردة، وقاتلوه هو وأتباعه، وسموهم بالمرتدين، وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين سلفا وخلفا