من شروط الصلاة النية
من شروط الصلاة النية ، والنية محلها القلب ، واشتراط النية إنما يذكر من أجل التعيين والتخصيص
ن حيث الإطلاق فإنه لا يمكن لأحد عاقل
مختار أن يقوم فيتوضأ ثم يذهب ويصلي لا يمكن أن يفعل ذلك إلا وقد نوى
الصلاة ، لكن الكلام على التعيين ، فالتعيين لابد منه في النية ، فينوي
الظهر ظهراً ، والعصر عصراً ، والمغرب مغرباً ، والعشاء عشاءً ، والفجر
فجراً ، ولا تكفي نية الصلاة المطلقة ، لأن نية الصلاة المطلقة أعم من نية
الصلاة المعينة ، فمن نوى الأعم لم يكن ناوياً للأخص ، ومن نوى الأخص كان
ناوياً الأعم لدخوله فيه ولهذا نقول : إذا انتقل الإنسان من مطلق إلى معين
، أو من معين إلى معين بقيت نية الإطلاق ، وإن كان من معين إلى معين بطل
الأول ولم ينعقد الثاني ، وإن انتقل من معين إلى مطلق بطل المعين وصح
المطلق ، لأن المعين متضمن للإطلاق فإذا ألغي التعيين بقي الإطلاق ، ونوضح
ذلك بالأمثلة :
رجل يصلي ناوياً نفلاً مطلقاً ، ثم أراد أن يقلب النية في أثناء الصلاة إلى
نفل معين ، أراد أن يجعل هذا النفل المطلق راتبة فهنا نقول : لا تصح
الراتبة ، لأن الراتبة لابد أن تكون منية من قبل تكبيرة الإحرام وإلا لم
تكن راتبة ، لأن الجزء الأول الذي خلا من نية الراتبة وقع بغير نية الراتبة
.
لكن لو كان يصلي راتبة ثم نواها نفلاً مطلقاً وألغى نية التعيين صح ذلك ،
وذلك لأن الصلاة المعينة تتضمن نية التعيين ، ونية الإطلاق فإذا ألغى نية
التعيين بقيت نية الإطلاق .
مثال آخر : رجل دخل بنية العصر ثم ذكر أثناء الصلاة أنه لم يصل فيحول نيته
من العصر إلى الظهر فهنا لا تصح لا صلاة الظهر ، ولا صلاة العصر ، أما صلاة
العصر فلا تصح لأنه قطعها ، وأما صلاة الظهر فلا تصح لأنه لم ينوها من
أولها ، لكن إذا كان جاهلاً صارت هذه الصلاة في حقه نفلاً ، لأنه لما ألغى
التعيين بقي الإطلاق .
مثال ثالث : صلى بنية الراتبة ثم بدا له في أثنائها أن يجعلها نفلاً مطلقاً
صح ، لأن نية الراتبة تتضمن الإطلاق والتعيين ، فإذا ألغى التعيين بقي
الإطلاق .
والخلاصة : أنني أقول إن ا لنية المطلقة في العبادات لا أظن أحداً لا
ينويها أبداً ، وإذ ما من شخص يقوم فيفعل إلا وقد نوى ، لكن الذي لا بد منه
هو نية التعيين والتخصيص .
ومن المسائل التي تدخل في النية : نية الإمامة بعد أن كان منفرداً أو
الائتمام بعد أن كان منفرداً وهذا فيه خلاف بين العلماء ، والصحيح أنه لا
بأس به ، فنية الإمام بعد أن كان منفرداً مثل أن يشرع الإنسان في الصلاة
وهو منفرد ثم يأتي رجل آخر يدخل معه ليصيرا جماعة فلا بأس بذلك ، لأن النبي
صلى الله عليه وسلم قام يصلي من الليل وكان ابن عباس – رضى الله عنهما –
نائماً ثم قام ابن عباس فتوضأ ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم وأقره
النبي صلى الله عليه وسلم . والأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا
بدليل ، لو شرع الإنسان يصلي وحده ثم جاء آخر فدخل معه ليجعله إماماً له
فلا بأس ، فيكون الأول إماماً والثاني مأموماً ، وكذلك بالعكس لو أن أحداً
شرع في الصلاة منفرداً ثم جاء جماعة فصلوا جماعة فانضم إليهم فقد انتقل من
انفراد إلى ائتمام وهذا أيضاً لا بأس به ، لأن الانتقال هنا ليس إبطالاً
للنية الأولى ولكنه انتقال من وصف إلى وصف فلا حرج فيه .
فهذه الشروط التي ذكرناها أهم الشروط التي ينبغي الكلام عليها وإلا فهناك
شروط أخرى كالإسلام والتمييز والعقل لكن هذه شروط في كل عبادة .
وسئل فضيلته : قال بعض الفقهاء إن من شروط الصلاة اجتناب النجاسة في البدن
، والثوب ، والبقعة ، وهو شرط عدمي ، فما الفرق بين الشرط الإيجابي والعدمي
؟
فأجاب بقوله : الفرق بين الشرط الإيجابي والعدمي أن الأول يجب فعله والثاني
يجب اجتنابه ، فإذا صلى الإنسان في ثوب نجس ناسياً ، أو جاهلاً فإن صلاته
صحيحة ، وليس عليه إعادة الصلاة ، مثال ذلك : أصاب ثوبك بول ولم تغسله ثم
صليت بعد ذلك ناسياً غسله ، أو أنه أصابك فإن صلاتك صحيحه ولا إعادة عليك ،
لأنك معذور بالنسيان ، قال تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا
أَوْ أَخْطَأْنَا ) . وقد روى أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
كان يصلي بأصحابه ذات يوم فخلع نعليه ، فخلع الصحابة نعالهم ، فلما سلم
سألهم ، فقالوا : يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، فقال :
(( إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيهما أذى أو قذراً )) . فدل هذا على أن من
صلى بنجاسة جاهلاً بها فإن صلاته لا تبطل ، فإن علم بها أثناء الصلاة
أزالها ومضى في صلاته ولا حرج عليه .فإذا قال قائل : ألستم تقولون : إن
الإنسان إذا صلى بغير وضوء ناسياً فإن صلاته باطلة غير صحيحة ، فكيف تقولون
إنه إذا صلى بالنجاسة ناسياً غسلها تكون صلاته صحيحة فما الفرق إذاً ؟
نقول : إن الوضوء شرط إيجابي أي أنه شرط وجودي والشرط الوجودي لابد من
وجوده فإذا عدم عدمت الصحة ، وأما اجتناب النجاسة فهو شرط عدمي ، وقد قال
أهل العلم : إنه يفرق بين ترك المأمور وفعل المحذور ، فترك المأمور لا يعذر
فيه الإنسان بالجهل أو النسيان ، وفعل المحذور يعذر فيه الإنسان بالجهل أو
النسيان ، وهذه قاعدة مقررة عند أهل العلم دل عليها كتاب الله ، وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم