الإيمان بالقدر خيره وشره
الركن السادس من مرتبة الإيمان
الإيمان بالقدر خيره وشره
الإيمان بالقضاء والقدر وبما
تضمناه من أعظم أركان الإيمان , كما بين النبي صلى الله عليه وسلم
ركنيته في حديث جبريل ولقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ} .
والقدر في اللغة مصدر: قدرت
الشيء: يعني أحطت بمقداره
والمراد هنا: تعلق علم الله بالكائنات وإرادته لها
أزلا قبل وجودها؛ فلا يحدث شيء إلا وقد علمه الله وقدره وأراده.
والإيمان بالقدر
خيره وشره
يتضمن أربع أمور
الأمر الأول: الإيمان بعلم الله الأزلي بكل شيء قبل وجوده ، ومن ذلك علمه بأعمال العباد قبل أن يعملوها
الأمر الثاني: الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح
المحفوظ
الأمر الثالث: الإيمان بمشيئة الله الشاملة لكل حادث
وقدرته التامة عليه
الأمر الرابع: الإيمان بإيجاد الله لكل المخلوقات ، وأنه
الخالق وحده ، وما سواه مخلوق
لقوله تعالى: {اللَّهُ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وقوله تعالى: {وَهُوَ الْخَلَّاقُ
الْعَلِيمُ}
واعلم أن التقدير نوعان:
1. تقدير عام شامل لكل كائن، وهو المكتوب في اللوح
المحفوظ؛ فقد كتب الله فيه مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أول ما خلق
الله القلم، قال له اكتب! قال وما أكتب؟ قال اكتب مقادير كل شيء
حتى تقوم الساعة) . وهذا التقدير يعم جميع المخلوقات.
2. وتقدير مفصل للتقدير العام، وهو أنواع:
النوع الأول: التقدير العمري؛ كما في حديث ابن مسعود
في شأن ما يكتب على الجنين وهو في بطن أمه من كتابة أجله ورزقه وعمله
وشقاوته أو سعادته.
النوع الثاني: التقدير الحولي، وهو ما يقدر في ليلة
القدر من وقائع العام؛ كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ}
النوع الثالث: التقدير اليومي، وهو ما يقدر من حوادث
اليوم من حياة وموت وعز وذل... إلى غير ذلك؛ كما في قوله
تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}
ولا بد للمسلم من الإيمان بالقدر العام وتفاصيله؛ فمن جحد شيئا منهما؛ لم يكن مؤمنا بالقدر، ومن لم يؤمن بالقدر؛ فقد جحد ركنا من أركان الإيمان
ولثمرات الإيمان بالقضاء والقدر طمأنينة القلب
وارتياحه وعدم القلق في هذه الحياة عندما يتعرض الإنسان لمشاق الحياة؛
لأن العبد إذا علم أن ما يصيبه فهو مقدر لا بد منه ولا راد له، واستشعر
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (واعلم
أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) ؛ فإنه
عند ذلك تسكن نفسه ويطمئن باله؛ بخلاف من لا يؤمن بالقضاء والقدر؛ فإنه
تأخذه الهموم والأحزان، ويزعجه القلق حتى يتبرم بالحياة ويحاول الخلاص
منها ولو بالانتحار؛ كما هو مشاهد من كثرة الذين ينتحرون فرارا من
واقعهم وتشاؤما من مستقبلهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالقضاء والقدر، فكان
تصرفهم ذلك نتيجة حتمية لسوء اعتقادهم.
وأيضاً من الأمور التي تكون خطيرة في هذا الأمر أنه عندما يحتج امرئ بمعصيته كأن يكون رجل يتعاطى المخدرات ويقول أنا كتب علي الإدمان فيحتج بأن الإدمان كتب عليه فنقول نعم كتب عليك لكن الله كتبه بما يعلمه مما يكون حالك وتصرفك فالله كتب في اللوح المحفوظ بما يكون من علم فإن الله سبق علمه كل شئ فالله يعلم أنك إن وجدت زجاجة خمر ماذا سيكون من أمرك هل ستتناول منها وتشرب أم ستتجنبها ؟ فالله يعلم أنك تعلم أن تناولها حرام وأنك مأمور باجتنابها وأيضاً خلق فيك إرادة محل التكليف فالله يعلم ما يكون حالك إذا تعرضت للشراب فهو سجل وكتب عليك أنك تتعاطى لأنه يعلم انك ستتعاطى إذا وجدت المادة المخدرة ولم يكتب الله عليك ليكرهك على تعاطيها
وليس معنى الكتابة أن الله يكرهك فهذا مستحيل لأن الله حرم الظلم على نفسه إذ لا بد أن ننتبه لهذا الأمر الله لم يجبرك فلم يفتح أحد فمك ويضع فيه الخمر حتى تحتج بالقدر ولكن الله كتب ما سيكون من أمرك لأنه يعلم ما سيحدث لك فعلمه سبق كل شئ فهو سجل ما سيكون من أمرك هذا الذي أردنا أن نبينه أنه لايجوز الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية
نعود إلى الأمور التي يجب على المرء أن يؤمن بها في مسألة القدر وهي الإيمان بأن ما يحدث في الكون فهو بمشيئة الله فما من شئ يحدث خارج عن مشئية الله ( ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ) فكل شئ يحدث يحدث بمشيئة الله
وعلى
هذا العموم سواء كان من أفعال الله تعالى أو من أفعال العباد فأفعال
الله تحدث بمشيئته وأفعال العباد أيضاً تحدث بمشيته وإن لم يشأ لم تحدت
( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )
فالله بين أن العبد له مشيئة وأن هذه المشيئة أيضاً هي من مشيئة الله
أيضاً ينبغي أن نعلم بأن الله خلق كل شئ خلق السماوات والأرض وخلق
الجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم وخلق الإنسان فالله خلق الإنسان
أي خلق العباد وخلق أفعال العباد فأفعال العباد خلقها الله فالإنسان
هنا عندما يفعل شئ يفعله بالإرادة والله الذي خلق فيك الإرادة فالله
خلق العباد وخلق فيهم إرادتهم فكل شئ يحدث من أفعلا لا نقول أن هذه
الأفعال خلقها الله فقط بل خلقها الله الذي خلق العباد وخلق أفعالهم