من الأصل الخامس في العقيدة
الإيمان بأشراط الساعة
حشر الناس إلى أرض الشام
قال الإمام ابن كثير في "النهاية": "ثبت في
"الصحيحين"من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن أبي
هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر
الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على
بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار؛ تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت
معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا)
.
ثم ساق الأحاديث في هذا المعنى، ثم قال: "فهذه
السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من
أقطار الأرض إلى محلة، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة؛
فصنف طاعمين كاسين وراكبين، وقسم يمشون تارة ويركبون تارة أخرى، وهم
يعتقبون على البعير الواحد- كما تقدم في "الصحيحين"- اثنان على
بعير وثلاثة على بعير... ".
إلى أن قال: "وعشرة على بعير يعتقبونه من قلة
الظهر؛ كما تقدم في الحديث، وكما جاء مفسرا في الآخر: "وتحشر
بقيتهم النار"، وهي التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم؛
تسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم؛ أكلته النار.
وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الزمان؛ حيث الأكل
والشرب والركوب على الظهر المشترى وغيره، وحيث تهلك المتخلفين منهم
النار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث؛ لم يبق موت ولا ظهر يشترى ولا أكل
ولا شرب". انتهى.
وقد جاءت أحاديث تدل على أنه في آخر الزمان تخرج نار
من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.
منها الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأهل "السنن":
"تخرج نار من قعر عدن، تسوق (أو: تحشر) الناس؛ تبيت معهم حيث
باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا".
ومنها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال:
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ستخرج نار من حضرموت (أو من نحو بحر حضرموت) قبل يوم القيامة تحشر
الناس قالوا يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال عليكم بالشام)
. رواه أحمد والترمذي وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن صحيح غريب".
قال السفاريني: "اختلف العلماء في حشر الناس من
المشرق إلى المغرب؛ هل هو يوم القيامة أو قبله، فقال القرطبي والخطابي
وصوبه القاضي عياض: إن هذا الحشر يكون قبل يوم القيامة. وأما الحشر
من القبور؛ فهو على ما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا؛ كما في
"الصحيحين"وغيرهما: "إنكم
تحشرون حفاة عراة غرلا"...".
إلى أن قال: "وانتصر القاضي عياض لقول الخطابي
والقرطبي بأن حديث أبي هريرة: "تقيل معهم... وتبيت...
وتصبح... وتمسي": يؤيد أن الحشر في الدنيا إلى الشام؛ لأن
هذه الأوصاف مختصة بالدنيا".
وقال أيضا: "ذكر القرطبي في "تذكرته": أن
الحشر أربع: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة".
فاللذان في الدنيا: المذكور في سورة الحشر، وهو حشر
اليهود إلى الشام، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
"اخرجوا!". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى أرض
المحشر". ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جزيرة
العرب.
والحشر الثاني المذكور في أشراط الساعة؛ نار تحشر
الناس من المشرق إلى المغرب؛ كما في حديث أنس وعبد الله بن سلام.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهم مرفوعا: "تبعث على
أهل المشرق نار فتحشرهم إلى المغرب؛ تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم
حيث قالوا، ويكون لها ما سقط منهم وتخلف، وتسوقهم سوق الجمل".
قال الحافظ ابن حجر: وكونها تخرج من قعر عدن لا
ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب؛ لأن ابتداء خروجها من عدن؛
فإذا خرجت؛ انتشرت في الأرض كلها؛ المراد تعميم الحشر لا خصوص المشرق
والمغرب، أو أنها بعد الانتشار أول ما تحشر أهل المشرق.
قال القرطبي: وأما اللذان في الآخرة؛ فحشر الأموات
من قبورهم بعد البعث جميعا؛ قال تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ
فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ، وحشرهم إلى الجنة
والنار، وقال: على قول الناظم:
وآخر الآيات حشر النار ** كما
أتى في محكم الأخبار
قال: "وآخر الآيات": العظام والعلامات
الجسام. "حشر النار": للناس من المشرق إلى المغرب، ومن اليمن
إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام، وهو أرض الشام. "كما أتى": ذلك
مصرحا به. "في محكم الأخبار": وصحيح الآثار...".
ثم ذكر الأحاديث الواردة في خروجها من اليمن ومن قعر
عدن أبين، وفي كونها تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وكونها تحشرهم
إلى أرض الشام، وقال في وجه الجمع بين ذلك: "بأن النار ناران:
إحداهما تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، والثانية تخرج من اليمن
فتطرد الناس إلى المحشر الذي هو أرض الشام".
قال: "وإن لم يكن في علم الله إلا نار واحدة؛
فالجمع بين حديث: "نار تخرج قبل يوم القيامة من حضرموت فتسوق
الناس"، وفي لفظ: "تخرج من قعر عدن، ترحل الناس إلى المحشر"،
وحديث: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب"؛ فبأن يقال: إن
الشام الذي هو المحشر مغرب بالنسبة إلى المشرق، فيكون ابتداء خروجها
قعر عدن من اليمن، فإذا خرجت؛ انتشرت إلى المشرق، فتحشر أهله إلى
المغرب الذي هو الشام، وهو المحشر، ولفظة (أبين) بوزن أحمر: اسم
الملك الذي بناها، وفي "نهاية ابن الأثير": عدن أبين: مدينة
معروفة باليمن، أضيفت إلى أبين بوزن أبيض، وهو رجل من حمير عدن بها؛
أي: أقام. والله أعلم