لإيمان بأشراط الساعة
خروج الدابة
ذكر الله خروج الدابة في قوله تعالى: {وَإِذَا
وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يُوقِنُونَ} .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في "النهاية":
"قال ابن عباس والحسن وقتادة: (تكلمهم)؛ أي: تخاطبهم مخاطبة،
ورجح ابن جرير تخاطبهم؛ تقول لهم: {أَنَّ
النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} ، وحكاه عن علي
وعطاء".
قال ابن كثير: "في هذا نظر".
ثم قال: "وعن ابن عباس: "تكلمهم": تجرحهم؛
بمعنى: تكتب على جبين الكافر كافر، وعلى جبين المؤمن مؤمن، وعنه:
تخاطبهم وتجرحهم، وهذا القول ينتظم المذهبين، وهو قوي حسن جامع لهما.
والله أعلم".
وقال أيضا في "تفسيره": "هذه الدابة تخرج في
آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق؛
يخرج الله لهم دابة من الأرض؛ قيل: من مكة، وقيل: من غيرها، فتكلم
الناس".
وقال القرطبي في "تفسيره": "قوله تعالى: {وَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} : اختلف في معنى (وقع القول) وفي
الدابة؛ فقيل: معنى (وقع القول
عليهم): وجب الغضب عليهم. قاله قتادة. وقال مجاهد:
أي: حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون. وقال ابن عمر وأبو سعيد
الخدري رضي الله عنهما: إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر؛
وجب السخط عليهم. وقال عبد الله بن مسعود: وقع القول يكون بموت
العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن قال عبد الله أكثروا تلاوة القرآن قبل
أن يرفع قالوا هذه المصاحف ترفع؛ فكيف بما في صدور الرجال؟! قال
يسرى عليه ليلا فيصبحون منه قفرا وينسون لا إله إلا الله ويقعون في قول
الجاهلية وأشعارهم وذلك حين يقع القول عليهم
ثم ذكر أقوالا أخرى في معنى وقع القول عليهم، ثم
قال: "قلت: وجميع الأقوال عند التأمل ترجع إلى معنى واحد،
والدليل عليه آخر الآية: {أَنَّ
النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} ، وقرئ:
(أن الناس)؛ بفتح الهمزة.
وفي "صحيح مسلم"عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث
إذا خرجن؛ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيرا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) .
واختلف في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج
اختلافا كثيرا قد ذكرناه في كتاب "التذكرة"" انتهى.
وعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: (طلع
النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال ما تذاكرون؟ قالوا
نذكر الساعة قال إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات وذكر
منها الدابة) . رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي ومسلم
وأهل السنن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ولمسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا
بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة)
الحديث.
ولمسلم أيضا من حديث قتادة عن الحسن عن زياد بن رباح
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: (بادروا
بالعمل ستا الدجال، والدخان، ودابة الأرض) الحديث.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن
بشر عن أبي حيان عن أبي زرعة عن عبد الله بن عمرو؛ قال: حفظت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: (إن أول الآيات
خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى؛ فأيهما كانت
قبل صاحبتها؛ فالأخرى على أثرها قريبا) .
قال ابن كثير: "أي: أول الآيات التي ليست
مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء قبل
ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج؛ فكل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر،
مشاهدتهم وأمثالهم مألوفة، فأما خروج الدابة على شكل غير مألوف
ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان والكفر؛ فأمر خارج عن مجاري
العادات، وذلك أول الآيات الأرضية؛ كما أن طلوع الشمس من مغربها على
خلاف عاداتها المألوفة أول الآيات السماوية". انتهى.
وعمل هذه الدابة كما جاءت به الأحاديث أنها تسم الناس
المؤمن والكافر: فأما المؤمن؛ فيرى وجهه كأنه كوكب دري، ويكتب بين
عينيه: مؤمن. وأما الكافر؛ فتنكت بين عينيه نكتة سوداء، ويكتب بين
عينيه: كافر.
وفي رواية: فتلقى المؤمن فتسمه في وجهه نكتة فيبيض
لها وجهه، وتسم الكافر نكتة سوداء يسود لها وجهه، ويشترك الناس في
الأموال، ويصطحبون في الأمصار، يعرف المؤمن الكافر وبالعكس، حتى إن
المؤمن يقول للكافر: يا كافر! اقضني حقي.
وأما صفتها؛ فقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي في
"تفسيره": "وهذه الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان
وتكون من أشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الأحاديث، ولم يذكر الله ولا
رسوله كيفية هذه الدابة، وإنما ذكر أثرها المقصود منها، وأنها من آيات
الله، تكلم الناس كلاما خارقا للعادة حين يقع القول على الناس وحين
يمترون بآيات الله، فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين وحجة على
المعاندين..."انتهى.
وقد أنكر بعض المعاصرين خروج هذه الدابة، واستبعدوا
ذلك، وبعضهم يؤولونها بتأويلات فارغة، وليس لهم حجة في ذلك سوى أن
عقولهم لا تتحمل ذلك.
والواجب على المؤمن التصديق والتسليم لما جاء عن الله
ورسوله؛ لأن هذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين.
هذا ونسأل الله الهداية والتوفيق لمعرفة الحق والعمل
به