الإيمان بأشراط الساعة
خروج الدجال
المسيح الدجال والفاتن الكذاب مسيح الضلالة نعوذ بالله
من فتنته؛ فقد أنذرت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أقوامها، وحذرت
منه أممها، وبينت أوصافه، وحذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
أكثر، وبين أوصافه ونعته لأمته نعوتا لا تخفى على ذي بصيرة.
وفي "الترمذي": أنه يخرج من خراسان.
وفي "صحيح مسلم"عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: (يتبع
الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة) .
وسمي المسيح؛ لأن عينه ممسوحة، وقيل: لأنه يمسح
الأرض؛ أي: يقطعها، وسمي الدجال: من الدجل، وهو الخلط، يقال:
دجل؛ إذا خلط وموّه، ودجال على وزن فعال من أبنية المبالغة؛ أي: يكثر
منه الكذب والتلبيس، وهو يخرج في زمان المهدي.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ثم يؤذن له
(أي: الدجال) في الخروج في آخر الزمان، يظهر أولا في صورة ملك من
الملوك الجبابرة، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، فيتبعه على ذلك
الجهلة من بني آدم والطغام من الرعاع والعوام، ويخالفه ويرد عليه من
هداه الله من الصالحين وحزب الله المتقين، ويتدنى فيأخذ البلاد بلدا
بلدا وحصنا حصنا وإقليما إقليما وكورة كورة، ولا يبقى بلد من البلدان
إلا وطئه بخيله ورجله؛ غير مكة والمدينة.
ومدة مقامه في الأرض أربعون يوما؛ يوم كسنة، ويوم
كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه، ومعدل ذلك سنة وشهران
ونصف.
وقد خلق الله على يديه خوارق كثيرة يضل بها من يشاء من
خلقه، ويثبت معها المؤمنون فيزدادون إيمانا مع إيمانهم وهدى إلى
هداهم.
ويكون نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مسيح
الهدى في أيام مسيح الضلالة، فيجتمع عليه المؤمنون، ويلتف معه عباد
الله المتقون، فيسير بهم المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام قاصدا نحو
الدجال وقد توجه نحو بيت المقدس، فينهزم منه الدجال، فيلحقه عند باب
مدينة لد، فيقتله بحربته وهو داخل إليها، ويقول له: إن لي فيك ضربة
لن تفوتني، وإذا واجهه الدجال؛ ينداع كما ينحل الملح في الماء،
فيتداركه، فيقتله بالحربة الحريبة بباب لد، فتكون وفاته هناك لعنه
الله؛ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه". انتهى كلام
ابن كثير رحمه الله في تلخيص قصة الدجال حسبما ورد في النصوص الصحيحة،
وهو تلخيص جيد مفيد.
والذي تدل عليه النصوص من أمر الدجال أيضا وفتنته:
أن من استجاب له؛ يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت لهم زرعا تأكل منه
أنعامهم وأنفسهم، وترجع لهم مواشيهم سمانا ذات لبن، ومن لا يستجيب له
ويرد عليه أمره؛ تصيبهم السنة والجدب والقحط والقلة وموت الأنعام ونقص
الأموال والأنفس والثمرات، وأنه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، وأنه
يقتل شابا ثم يحييه؛ كل ذلك امتحان يمتحن الله به عباده في آخر الزمان،
فيضل به كثيرا.
وهو مع هذا هين على الله، ناقص ظاهر النقص والفجور
والظلم، وإن كان معه ما معه من الخوارق، مكتوب بين عينيه كافر، وما
يجريه على يديه محنة من الله لعباده، وهي محنة خطيرة، لا ينجو منها إلا
أهل الإيمان واليقين، ولخطورة محنته وشدة فتنته حذرت منه الأنبياء
أممها، وأشدهم تحذيرا لأمته محمد صلى الله عليه وسلم.
عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه
لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه)
. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالاستعاذة من
فتنته في آخر كل صلاة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إذا
فرغ أحدكم من التشهد الآخر؛ فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم، ومن
عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال)
. رواه الإمام أحمد ومسلم.
وقد تواترت الأحاديث من وجوه متعددة في إثبات خروج
الدجال وبيان فتنته والاستعاذة منه، وأجمع أهل السنة والجماعة على خروج
الدجال في آخر الزمان، وذكروا ذلك ضمن مباحث العقيدة؛ فمن أنكر خروجه؛
فقد خالف ما دلت عليه الأحاديث المتواترة، وخالف ما عليه أهل السنة
والجماعة، ولم ينكر خروجه إلا بعض المبتدعة كالخوارج والجهمية وبعض
المعتزلة وبعض الكتاب العصريين والمنتسبين إلى العلم، ولم يعتمدوا على
حجة يدفعون بها النصوص المتواترة سوى عقولهم وأهوائهم، ومثل هؤلاء لا
عبرة بهم ولا بقولهم.
والواجب على المؤمن الإيمان بما صح عن الله ورسوله،
واعتقاد ما يدل عليه، ولا يكون من الذين قال الله تعالى فيهم: {بَلْ
كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ
تَأْوِيلُهُ} ؛ لأن مقتضى الإيمان بالله ورسوله هو التسليم
لما جاء عنهما والإيمان به، ومن لم يفعل؛ فإنه متبع لهواه بغير هدى من
الله.
نسأل الله العافية والسلامة من الشك والشرك، والكفر والنفاق وسوء الأخلاق، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، والحمد لله رب العالمين.