دفع القطيعة
هل الوقاية التي هي دفع القطيعة تتحقق بالصلة ؟
تندفع القطيعة وتتحقق الصلة بالإتيان بمضمون ما يعرفه من الأمور التالية:-
تعلم معرفة النسب ، معرفة أن أفضل البر ما كان على الأرحام ، معرفة أن أفضل النفقة ما كان على الأهل ، معرفة أن خير الناس أوصلهم لرحمه ، معرفة أنها أحب الأعمال إلى الله ، بالسلام ، ومقابلة الإساءة بالإحسان ، ومعرفة أنها أفضل من العتق ، معرفة حق الرحم أنه لو كان رقيقاً فاشتراه أحد أقاربه أعتقه لحق الرحم ، معرفة أن صلة الرحم واجبة ، معرفة أن معيار الخير فينا من كان خيره لأهله ، معرفة أن صلة الرحم حق للقرابة ولو كان القريب مشرك
تتحقق صلة الرحم بعدة أشياء في مضمونها تواصل مباشر وغير مباشر منها :-
هل لمعرفة علم الأنساب فائدة ؟
قال صلى الله عليه وسلم :
} اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة {[12]
أي اعرفوا من أسماء آبائكم وأجدادكم وأعمامكم وأخوالكم وسائر أقاربكم قدر ما تصلون به أرحامكم , والمعنى تعرفوا على أقاربكم من ذوي الأرحام ليمكنكم صلة الرحم وهي التقرب لديهم والشفقة عليهم والإحسان إليهم ، فتعلم النسب مندوب لأن ذلك مظنة للحب وسبب للود وباعث لدوام واستمرار في النسل ، وسعيك في التعرف على أنسابك هو من باب التواصل [13]
2- معرفة أن أفضل البر ما كان على الأرحام
هل فعلاً للصدقة على الأرحام فضل إذا وجد فيهم ذو حاجة ؟
بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة كما جاء في
قصته التي يرويها أنس فيقول:
}كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بير حاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ، ويشرب من ماء فيها طيب ( ولهذا كان حب أبو طلحة لها عن بقية ماله ) قال أنس : فلما أنزلت هذه الآية
{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92)} آل عمران قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الله تبارك وتعالى يقول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } آل عمران وإن أحب أموالي إلى بير حاء ، وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها ، يا رسول الله ، حيث أراك الله . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ ، ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيها ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين , فقال أبوطلحة أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [14]{
وبحثك عن معرفة أفضل بر يقدم لرحمك هو من التواصل
3- معرفة أن أفضل النفقة ما كان على الأهل
هل الأنفاق على الرحم أفضل من الأنفاق في سبيل الله وهل الإنفاق عليهم واجب ؟
قال صلى الله عليه وسلم :
} أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكينا ، ودينار أعطيته في رقبة ، ودينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته على أهلك ، أفضلها الذي أنفقته على أهلك {[15]
وقال صلى الله عليه وسلم :
} ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء ، فهكذا وهكذا يقول بين يديك وعن يمينك وعن شمالك{ [16]
وكل من كان أقرب في الرحم كان حقه أولى وألزم ، فصلة الرحم حق لكل من تربطك به صلة نسب أو قرابة ، وكل من كان أقرب كان حقه أولى وألزم قال صلى الله عليه وسلم :
{ أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك [17]{
عن أنس } أن رجلاً قال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ قال: تخرج الزكاة المفروضة، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حق السائل والجار والمسكين ، فقال: يا رسول الله أقلل لي؟ قال: فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً. قال: حسبي يا رسول الله{[18]
وقال مجاهد وقتادة: صلة الرحم فرض من الله عز وجل ، حتى قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة [19]
وابن القيم في زاد الميعاد عنون عنواناً
ذكر حكم رسول الله الموافق لكتاب الله تعالى من وجوب النفقة للأقارب
وسَرَدَ أحاديث منها حديثان سبق ذكرهم قبل الحديث السابق ثم قال: وهذا كله تفسير لقوله تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى (36) } النساء
وقوله تعالى : { وآتِ ذا القُربى حَقهُ (26)} الإسراء
فجعل سبحانه حق ذي القربى يلي حق الوالدين ، كما جعله النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء ، وأخبر سبحانه : أن لذي القربى حقاً على قرابته ، وأمر بإتيانه إياه ، فإن لم يكن ذلك حق النفقة ، فلا ندري أي حق هو
وقال ابن القيم بعد أن ذكر كلام القاضي أبي يعلى أن في كل مَن لزمته نفقتُه , أخ ، أو عم ، أو غيرهما يلزمُه إعفافُه قال وهذا مذهب الإمام أحمد، وهو أوسع من مذهب أبـي حنيفة، وإن كان مذهب أبـي حنيفة أوسعَ منه من وجه آخر حيثُ يُوجِبُ النفقةَ على ذوي الأرحام وهو الصحيح في الدليل ، وهو الذي تقتضيه أصولُ أحمد ونصوصُه وقواعد الشرع ، وصلةُ الرحم التي أمر الله أن تُوصَلَ ، وحرمَ الجنة على كل قاطع رحم , فالنفقةُ تُستَحَقُّ بشيئين: بالميراث بكتاب الله ، وبالرحم بسنة رسول الله [20]
وقال أهل العلم كل من يرث شخصاً من أقاربه , فإنه يجب عليه نفقته إذا كان محتاجا عاجزاً عن التكسب وكان الوارث قادراً على الإنفاق لأن الله تعالى يقول:
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك (233)} البقرة
أي مثل ما على الوالد من الإنفاق ، فمن بخل بما يجب عليه من هذا الإنفاق فهو آثم محاسب عليه يوم القيامة سواء طلبه المستحق منه أم استحيا وسكت
4 - معرفة أن خير الناس أوصلهم لرحمه
كيف بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعيار ؟
{سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر من خير الناس فقال : أفقههم في دين الله عز و جل وأوصلهم لرحمه { [21]
5 - معرفة أنها أحب الأعمال إلى الله
هل صلة الرحم من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } [22]
هل السلام على الأقرباء من درجات الصلة ؟
هو أقل ما يحدث به الصلة
قال صلى الله عليه وسلم :
} بلوا أرحامكم ولو بالسلام } [23]
شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بالماء الذي يطفئ ببرده الحرارة ، ومنه بلوا أرحامكم أي صلوها ولو بالسلام شبه الرحم بالأرض التي إذا وقع عليها الماء وسقاها حق سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء ، وإذا تركت بغير سقي يبست وبطلت منفعتها فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء [24]
هل يستحب الإحسان على الأقارب و إن أساءوا ؟ وهل يكون ذلك الوصل ؟
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
} فقال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم (بالبر والوفاء ) ويسيئون إلي ّ (بالجور والجفاء ) ، وأحلم عليهم (بالعفو والتحمل ) ويجهلون علي ( بالسب والغضب ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ ( الرماد الحار) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ( معين عليهم ) ما دمت على ذلك{ [25]
إن ما ذكر في الخصال سبب لإعانة صاحبها وتأييده وتوفيقه وتسديده والتأييد هو التأييد الإلهي واللطف الرباني لأنه يقابل الإساءة منهم بالإحسان إليهم
والمعنى فكأنما تطعمهم الرماد الحار وهذا تشبيه لنوع العقاب الذي يجازون به يوم القيامة على قطيعتهم لرحمهم ، فصل رحمك وإن قطعوك وستكون العاقبة لك عليهم
قال النووي: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته ، وإدخالهم الأذى عليه
وتُسفهم المل الرماد الحار، والظهير المعين والدافع لأذاهم ، وقوله أحلم عنهم ويجهلون أي يسيئون والجهل هنا القبيح من القول
وقيل معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل، وقيل ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم [26]
كيفية وصل الأقارب الذين يحدث منهم إساءات
ما الذي يستحب أن يفعله المرء مع القريب المعادي ؟
ينبغي على المسلم أن يبادر إلى صلة ذي الرحم الكاشح، وأن يدفع ما عنده من الضغن والبغضاء بالإحسان والإغضاء، كما قال تعالى:
{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34) } فصلت
فيصبح كالحميم الذي هو القريب
فصل رحمك رَحمك مولاك، وخالف بذلك نفسك وهواك، واصبر على أذاهم فإن بذلك نبيك أوصاك، وبالغ في الإحسان إلى من أساء إليك منهم تحمد بذلك عقباك
أيهما أفضل عتق الرقاب أم إيصال الرحم ؟
كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وبين لها أن الإحسان إلى الأقارب بالوصال أفضل من العتق
{أخبرت ميمونة رضي الله عنها : أنها أعتقت وليدة ، ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت : أشعرت يا رسول الله ، أني أعتقت وليدتي ؟ قال : أوفعلت. قالت : نعم ، قال : أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك{[27]
لأنّ صلتها لهم تؤلف قلوبهم ، و تجبر خواطرهم
وعن جابر: أن جويرية قالت للنبي صلى الله عليه وسلم :
{إني أريد أن أعتق هذا الغلام , قال : أعطيه خالك [28]الذي في الأعراب يرعى عليه فانه أعظم لأجرك { [29]
9 - معرفة حق الرحم أنه لو كان رقيقاً فاشتراه أحد أقاربه أعتقه لحق الرحم
هل لو اشترى رجل أو امرأة عبداً أو أمة ثم تبين أنها عمة أو خالة أو أنه عم أو خال يعتقه لحرمة الرحم ؟
يُعتَقُون على مَن اشتراهم من ذوِي رَحِمهم لحُرمة الرّحم
{من ملك ذا رحم محرم فهو حرّ} وفي لفظا ً{من ملك ذا رحمٍ محرمٍ فقد عتق عليه}[30]
10 - معرفة أن صلة الرحم واجبة [31]
مما أستنبط الحكم أن صلة الرحم واجبة ؟
أمر الله بها فقال : {وآتِ ذا القُربى حَقهُ (26)} الإسراء
ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال: وآت ذا القربى حقه والمراد بذي القربى ذو القرابة ، وحقهم هو صلة الرحم التي أمر الله بها ، وكرر التوصية فيها [32]
جعل سبحانه حق ذي القربى يلي حق الوالدين، كما جعله النبـيُّ سواءً بسواء ، وأخبر سبحانه , أن لذي القربى حقاً على قرابته، وأمر بإتيانه إياه ، وأمر تعالى بالإحسان إلى ذي القربى [33]
وقال القرطبي : اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة انتهى , وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة الصحيحة [34]
11 - معرفة أن معيار الخير فينا من كان خيره لأهله[35]
هل فعلاً أن الذي عنده خير لأقاربه من خيرة الناس ؟
قال صلى الله عليه وسلم :
} خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي } [36]
وهو إِشارة إِلى صلة الرحم والحثّ عليها [37]
12 - معرفة أن صلة الرحم حق للقرابة ولو كان القريب مشرك
هل أباح الشرع وصل الأقرباء المشركين الذين لم يقاتلونا في الدين ؟
أرسل عمر إلى أخيه لأمه عثمان بن حكيم من أهل مكة قبل أن يسلم حُلة يصله بها قد أهدها إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على عظم صلة الرحم ولو كان القريب الموصول مشرك
{رأى عمرُ حُلَّةً سِيَراءً تباع ، فقال: يا رسولَ اللّه ، ابتَعْ هذهِ والبَسْها يومَ الجمعة وإذا جاءَكَ الوفود. قال: إنما يَلبسُ هذه من لا خَلاقَ له. فأتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم منها بحُلَل ، فأرسلَ إلى عمرَ بحلةٍ فقال: كيف ألْبسُها وقد قلتَ فيها ما قلتَ ؟ قال: إني لم أعطكَها لتَلبَسَها ، ولكن تَبيعها أو تَكسُوها. فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهلِ مكةَ قبلَ أن يُسلم }[38]