قصة يأجوج ومأجوج
يأجوج ومأجوج عراض الوجوه, صغار العيون, صهب الشعاف, من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة ( أي وجوههم عريضة ووجناتهم مرتفعة ) أقل ما يترك أحدهم لصلبه ألفاً من الذرية وهم من سلالة آدم عليه السلام, بل هم من نسل نوح ([21]) من أولاد يافث , أبي الترك , والترك تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين
قال تعالى مخبراً عن ذي القرنين عندما سلك طريقاً من مشارق الأرض حتى إذا بلغ بين السدين وهما جبلان متناوحان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك فيعيثون فيها فساداً ويهلكون الحرث والنسل { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا(93)} الكهف لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس وما يعانون من أذى يأجوج ومأجوج لهم { قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا(94) } الكهف
أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالاً يعطونه إياه حتى يجعل بينه وبينهم سداً فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير { مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } الكهف إن الذي أعطانيه الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه أتمدوننيّ بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم , قال ذو القرنين الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ولكن ساعدوني بقوة أي بعملكم وآلات البناء { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا(95)آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } الكهف آتوني قطع الحديد وهي كاللبنة يقال كل لبنة زنة قنطار أو تزيد عليه {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} الكهف وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضاً { قَالَ انفُخُوا } الكهف أجج عليه النار حتى صار كله ناراً { حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا(96)} وهو النحاس المذاب{فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا(97)}الكهف فلم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته
فقد أخبر تعالى عن يأجوج ومأجوج أنهم ما قدروا على أن يصعدوا من فوق هذا السد ([22]) ولا قدروا على نقبه من أسفله , ولا على شيء منه , لما بناه ذو القرنين {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي)} الكهف رحمة بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلاً يمنعهم من العيث في الأرض والفساد, { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي } الكهف إذا اقترب الوعد الحق { جَعَلَهُ دَكَّاءَ } الكهف ساواه بالأرض طريقاً كما كان{ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا(98) } الكهف كائناً لا محالة{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في
بعض (99)} الكهف الناس يومئذ, يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس حين يخرجون ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم
إنهم ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ألقى الله على لسان رجل منهم يقول نجيء غداً فنخرج ويلهمون أن يقولوا إن شاء الله فيقول الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله فيعيده الله كما كان فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم, ويخرجون على الناس فيطؤن بلادهم فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه وفي حال خروجهم يسرعون في المشي إلى الفساد, من الأرض المرتفعة إنهم من كل حدب ينسلون كالصبيانً ينزو بعضهم على بعض وهم يلعبون ولا يمرون على ماء إلا شربوه فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية (بالأردن ) فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء , فيغشون الناس وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم, ويضمون إليهم مواشيهم, ويشربون مياه الأرض , تمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها, ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها, ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون قد كان ههنا مرة ماء , وكذلك يمر بعضهم بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابساً, حتى أن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول قد كان ههنا ماء مرة فينشفون المياه فيفر الناس منهم , ويتحصن الناس منهم في حصونهم , حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة, قال قائلهم هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم بقي أهل السماء , ثم يهز أحدهم حربته, ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دماً للبلاء والفتنة , فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء يقولون غلبنا أهل الأرض وأهل السماء فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه يدعو الله عليهم , فيقول: اللهم لا طاقة ولا يد لنا بهم, فاكفناهم بما شئت , فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف, فيفرس رقابهم , يبعث الله عليهم نغفاً في رقابهم دوداً في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه فيقتلهم بها فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس فيهلكهم ويميتهم , فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة , فيقول المسلمون ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو ؟ فيتجرد رجل منهم محتسباً نفسه قد أوطنها على أنه مقتول فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض, فينادي يا معشر المسلمين ألا أبشروا إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم, فيخرجون من مدائنهم وحصونهم, ويسرحون مواشيهم, فما يكون لهم رعي إلا لحومهم, فتشكر عنهم كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته , إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً من لحومهم ودمائهم ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله , يبعث الله عليهم طيراً تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر, ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيجترف أجسادهم فتطرحهم بالمهبل,(منزل) مطلع الشمس حتى يقذفهم في البحر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة يطهر الله بها الأرض وينبتها , يقال.للأرض أخرجي ثمرك ودري بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك الله في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر تكفي الفخذ, والشاة من الغنم تكفي أهل البيت وينزل عيسى الروحاء فيحج منها يطوف بالبيت واضعا يديه على منكبي رجلين ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج
ويأتي الصريخ أن ذا السويقتين يريده, فيبعث عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة أو بين السبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق, يتوفى عيسى ويصلي عليه المسلمون, ويدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته, ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته يبعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فيقبض الله روح كل مؤمن وكل مسلم حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستجيبون فيقولون فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم عيشهم حسن وهم شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة والساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلا أو نهارا ثم ينفخ في الصور
فهذه الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي بينت صفة نزول عيسى عليه السلام ومكانه من أنه بالشام وأنه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان حيث تنزاح عللهم وترتفع شبههم من أنفسهم ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعين لعيسى وعلى يديه ولهذا قال تعالى {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (159)} النساء
ونزوله بعد خروج الدجال الذي يقتله الله على يديه ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله تعالى ببركة دعائه
وعيسى عليه السلام يمكث في الأرض بعد نزوله سبع سنين وقد رفع وله ثلاثه وثلاثون سنة فيكون مجموع إقامته في الأرض قبل رفعه وبعد نزوله الأرض أربعين سنة
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ }
هذا القصص الذي ذكره الله ليبين لنا حقيقة اليهود والنصارى الكفار المشركين بالله حتى لا ينخدع بهم أحد من المسلمين ويظن أن عندهم هدي فيعجب بهم أو بنهجهم في الحياة أو بأفكارهم أو يميل إليهم أو يرضى بهم أو يسعى لكسب رضاهم فليعلم من يفعل هذا أنهم لا يرضون عنه حتى يجردوه من دينه ويكون قد خسر أخرته مع دنياه
{َلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(120)} البقرة
أخي المسلم إن هؤلاء النصارى المضلولين والذين يضلون أيضاً بنشر كفرهم وشركهم بما يسمونه بالتبشير يبذلون كل ما يملكون من مصادر قوتهم لمحاربة الإسلام وأهله غدراً إلى أن يقضي عليهم أهل الإسلام بفتح مدينتهم العظمى القسطنطينية في الملحمة الكبرى التي أخبر بها محمداً صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى بل يخبر بالوحي ولا تقوم لهم قائمة بعدها ونحن أتينا بهذه الإخباريات لتعلم أن العاقبة للمتقين وليست بكثرة الجيوش وكثرة عدتهم
إن المسلم لا بد أن يكون واعي وعلى بصيرة بكل مكايد أعداء الله له ولدينه إننا لازلنا نجد من يقول ما الفائدة من هذه المواضيع ؟ نحن نريد أشياء تنفعنا , أنظر عندما يكون هذا تفكير مسلم , كأنه يقول ما أخبرنا به في الكتاب أو السنة لا ينفعنا ولم يخطر بباله أن الله لم يقص علينا هذا في كتابه ولم يخبرنا به نبيه صلى الله عليه وسلم إلا ليعلم المسلم أن أعداء الله هم أعدائه فيتخذهم عدو وأن عدو المسلم هو عدو دينه فإن لم ينتبه المسلم لهذا فماذا يفعل وقت الفتن العظيمة كخروج الدجال حيث يبعث معه من الشبهات ويفيض على يديه التمويهات ما يسلب ذوي العقول عقولهم ويخطف من ذوي الأبصار أبصارهم ومجيئه بجنة ونار وإحياء الميت على حسب ما يدعيه و تقويته على من يريد إضلاله تارة بالمطر والعشب وتارة بالأزمة والجدب وغيرها من الفتن التي ينبهر بها السذج والمغفلين وطلاب الدنيا
إن مع كل هذه الفتن التي مع الدجال وادعاء الألوهية يخرج له شاباً ويقول له أمام أتباعه في وسط مسلحته إنك الدجال الكافر ولا يهابه ولا يخافه لماذا ؟ لأنه علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا وغير هذا الشاب كثيرون ممن يجدوا مع الدجال من هذه الخوارق فيعلمون أنه الدجال الكافر فيزداد إيمانهم بالله ولا يضرهم الدجال بما معه . لماذا ؟ لأنهم تعلموا ما أخبر به الله تعالى ورسوله فنتفعوا بفائدة العلم
كيف يعرف المسلمين عيسى عليه السلام عند نزوله ؟ حتى إن أمير المسلمين وإمامهم وقت إقباله على الصلاة فيرى عيسى فيعرفه ويقدمه للصلاة , بما عرفه ؟ عرفه بالعلم بهذه الإخباريات التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخي المسلم إنك لا بد أن يكون عندك بصيرة والبصيرة لا تأتي إلا بالعلم والعلم لا يأتي إلا بالتعلم فعليك بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله لن تضل أبدا