قصة قارون
قارون كان من قوم موسى كان ابن عمه وكان ممن آمن به فبغى عليهم فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره وتكبر عليهم وظلمهم حين مَلّكَهُ فرعون على بني إسرائيل وحسدهم روي أنه قال لموسى عليه السلام لك الرسالة ولهارون الحبورة ( العلم والفصاحة ) وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع الله الضابط الأول لا يتوفر هنا فتمني قارون ومنافسته لموسى وأخوه هارون في مقام النبوة والتي هي نعمة من اصطفاء الله لبعض عباده ومنحهم النبوة والتي ليست من النعم التي يصل إليها الإنسان بالكسب والعمل فكان لا ينبغي لقارون تمنيها , وكان في تمنيه هذا اعتراض منه على القدر , لذا لما تمنى شيئاً لا يستطيع الوصول إليه بكسبه حمله ذلك على العوض , الحسد المذموم والطغيان واستخدام قوته المتمثلة في ماله وجاهه في إيذاء موسى وهارون والمؤمنين وسعى في التخلص من موسى بأن دبر له قضية اتهام بالزنا ظناً منه أنه لو أثبتها على موسى رُجم بها ويكون قد تخلص منه ويأخذ هو مكانة موسى وهذا أشد أنواع الحسد إذ يسعى في زوال النعمة من على غيره بمحاولة قتله قارون آتاه الله من الكنوز من الأموال المدخرة ما إن مفاتيح خزائنه لتضعف العصبة أي الجماعة الكثيرة من الرجال الأشداء من حمل المفاتيح , فكيف بالخزن , لكن هذا المال أطغاه فلم يكن غِناه نعمة بل كان نقمة عليه لما طغى به على موسى والمؤمنين وكان سبباً في هلاكه وشقائه الأبدي قال بنو إسرائيل لقارون لا تفرح الفرح بالدنيا مذموم مطلقاً لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة , يوجب الترح , وقيل له ابتغ فيما آتاك الله من الغنى الدار الآخرة , بصرف المال فيما يوجبها لك , فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها , ولا تترك نصيبك من الدنيا وهو أن تُحَصِل بها أخرتك , وتأخذ منها ما يكفيك , وأحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك فيما أنعم الله عليك وأحسن بالشكر والطاعة كما أحسن إليك بالإنعام , ولا تبغ الفساد في الأرض , إن الله لا يحب المفسدين لسوء أفعالهم قال قارون إنما أوتيته على علم عندي فُضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال وعلم التجارة وسائر المكاسب والعلم بكنوز يوسف , أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا وأنكر الله عليه ووبخه على اغتراره بقوته وكثرة ماله لأنه يعلم من التوراة وسمع من حفاظ التواريخ بهلاك من قبله من الطغاة وهذا من الله تهديد لقارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه وأغنى فالله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم مُعاقبهم عليها لا محالة فخرج على قومه في زينته وخيلائه وفخره يتعاظم بما لديه من غنىً كثير كما قيل إنه خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب ومعه حشمه على أربعة آلاف دابة بيضاء وهم على زيه عليهم ثياب حمر فرآه بنو إسرائيل في موكبه الذي يحسده عليه أهل الدنيا وطلابها ولا يحسده عليه العقلاء المؤمنين طلاب الآخرة قال الذين يريدون الحياة الدنيا , على ما هو عادة الناس من الرغبة , يا ليت لنا مثل ما أُوتي قارون , تمنوا مثله لا عينه ,حذرا عن الحسد , إنه لذو حظ عظيم من الدنيا , وقال الذين أوتوا العلم بأحوال الآخرة للمتمنين , ويلكم ثواب الله في الآخرة خير لمن آمن وعمل صالحا مما أوتي قارون ,بل من الدنيا وما فيها , ولا يلقاها أي المثوبة والجنة ,إلا الصابرون على الطاعات وعن المعاصي
فخُسف به وبداره الأرض روي أنه كان يؤذي موسى عليه السلام
كل وقت وموسى يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف على واحد فحسبه فاستكثره فعمد إلى أن يفضح موسى بين بني إسرائيل ليرفضوه فأعطى بغية أموال كثيرة لترميه بنفسها فلما كان يوم العيد قام موسى خطيبا فقال من سرق قطعناه ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه فقال قارون ولو كنت أنت قال ولو كنت قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها موسى عليه السلام أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أرميك بنفسي فخر موسى شاكيا منه إلى ربه فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فقال يا أرض خذيه إلى ركبتيه ثم قال خذيه إلى وسطه ثم قال خذيه فأخذته إلى عنقه ثم قال خذيه فخسفت به
ثم قال بنو إسرائيل إنما فعله ليرثه فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله فما كان له من فئة أعوان ينصرونه من دون الله , فيدفعون عنه عذابه , وما كان من المنتصرين الممتنعين منه , وأصبح طلاب الدنيا الذين تمنوا منزلته بالأمس , منذ زمان قريب , يقولون الحمد لله أن منّ الله علينا فلم يعطنا ما تمنينا , وإلا لخسف بنا كما خسف بقارون
وعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده , ويقدر بمقتضى مشيئته , لا لكرامة تقتضي البسط , ولا لهوان يوجب القبض مع أن الذين حسدوه من قبل قد كان حسدهم من باب حسد الغبطة إذ تمنوا أن يكون لهم مثل ما أتي قارون ولكن النعمة التي أوتيها قارون لم تكن
نعمة مقرونة من قبله بما ينفع في أخرته ويكسبه مرضاة ربه [1]
وإذ يقص الله علينا هذه القصة دلنا على أن النعمة التي لا تنفع الإنسان في أخرته ولا تكسبه مرضاة ربه هي نقمة ووبال على صاحبها فهي ليست من النعم التي يحسد الإنسان عليها وكذا فهمنا الضابط الثاني لحسد الغبطة المأذون به شرعاً وهو أن تكون النعمة مما ينفع الإنسان في آخرته ويكسبه مرضاة ربه
وهذه القصة أخبرنا بها الله تعالى فقال :
{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْض ِوَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77)قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ(78)فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ(80)فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ(81)وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)} القصص
ومن هذه القصة يتضح لنا خطورة المنافسة إذا لم يتوفر فيها الضابطين وأن المنافسة ينبغي أن تكون في النعم التي يمكن الوصول لها بالعمل والكسب
بل إنه مع توافر الضابطين في النعمة التي يمكن للإنسان بالمنافسة الحصول على مثلها ومع ذلك يترك التنافس عليها ولا تطلع نفسه أصلاً إلى ما أنعم الله به على غيره لكان هذا أسلم صدراً كما كان أبو بكر وقدوته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ينافس أبا بكر رضى الله عنه الإنفاق وأبو بكر خال من ذلك رضى الله عنهما
[1] البضاوي 4/304 – 306 وحنبكة في المنافسة مع نصريف