قصة مريم عليها السلام
قصة مريم والإيذاء الذي تعرضت له
{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ(12)} التحريم
هذه شهادة من الله لمريم ابنة عمران على عفتها وصلاحها وطاعتها لله وتكذيب لبني إسرائيل في اتهامهم لها بالزنا
وقد ضرب الله لنا مثلاً لمريم ابنة عمران وصبرها على أذى اليهود لتكون قدوة في الصبر على الأذى
وهذه قصتها منذ كانت في بطن أمها , يقول تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33)ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(34)إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35)فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36)فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37)} آل عمران
بشارة الملائكة لمريم
بشرة من الملائكة لمريم عليها السلام بأن سيوجد منها ولد عظيم له شأن كبير. قال الله تعالى: {إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ (45) } آل عمران بولد يكون وجوده بكلمة من الله, يقول له: كن فيكون {مصدقاً بكلمة من الله} {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (45) } آل عمران يكون مشهوراً بهذا في الدينا, ويعرفه المؤمنون بذلك وسمي المسيح, لكثرة سياحته. ولأنه كان إذا مسح أحداً من ذوي العاهات برىء, بإذن الله تعالى. وعيسى ابن مريم نسبة إلى أمه حيث لا أب له. { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(45) (47)} آل عمران
له وجاهة ومكانة عند الله في الدنيا بما يوحيه الله إليه من الشريعة وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه الله به, وفي الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه, فيقبل منه أسوة بإخوانه من أولي العزم, صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين, وقوله: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا (46) } آل عمران يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في حال صغره, معجزة وآية, وفي حال كهولته حين يوحي الله إليه بذلك { وَمِنْ الصَّالِحِينَ(46 } آل عمران في قوله وعمله, له علم صحيح وعمل صالح
فلما سمعت مريم بشارة الملائكة لها بذلك عن الله عز وجل, قالت في مناجاتها {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (47)} آل عمران تقول كيف يوجد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج, ولا من عزمي أن أتزوج, ولست بغياً حاشا لله ؟ فقال لها الملك عن الله عز وجل في جواب ذلك السؤال { قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ (47)} آل عمران هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(47)} آل عمران فلا يتأخر شيئاً بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة كقوله: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} إنما نأمر مرة واحدة لا مثنوية فيها فيكون ذلك الشيء سريعاً كلمح بالبصر.
يكلم الناس في المهد آية ، ويكلمهم كهلا بالوحي والرسالة وكلمهم في المهد حين برأ أمه فقال{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (30) } مريم
. وأما كلامه وهو كهل فإذا أنزله الله تعالى من السماء أنزله على صورة ابن ثلاث وثلاثين سنة وهو الكهل فيقول لهم : {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (30) } مريم كما قال في المهد . فهاتان آيتان وحجتان .
وفائدة الآية أنه أعلمهم أن عيسى عليه السلام يكلمهم في المهد ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا
{قالتْ رَبِّ (47) } آل عمران وخاطبت جبريل عليه السلام ، لأنه لما تمثل لها قال لها { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا(19)} مريم. فلما سمعت ذلك من قوله استفهمت عن طريق الولد فقالت{ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (20) ؟} مريم أي بنكاح { وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا(20) } مريم ذكرت هذا تأكيدا ، لأن قولها لم يمسسني بشر . يشمل الحرام والحلال . تقول : العادة الجارية التي أجراها الله في خلقه أن الولد لا يكون إلا عن نكاح أو سفاح . وما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا ، ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد : أمن قبل زوج في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء ؟ قال لها جبريل عليه السلام {كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ (47)} آل عمران وقال{ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ (21)} مريم. ,أخذ جبريل قميصها بإصبعه فنفخ فيه فحملت من ساعتها بعيسى
قوله تعالى : {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ(48)} آل عمران
ونجعله { رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (49)} آل عمران يكلمهم رسول .
{ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ (49) } آل عمران
أصور لكم مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (49) فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا } آل عمران
أي في الواحد منه أو في الطين فيكون طائرا {بِإِذْنِ اللَّهِ (49} آل عمران
خلق خفاش لأنه أكمل الطير تخلقا ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا وأذنا ، وهي تحيض وتطهر وتلد . إنما طلبوا خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق ، ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور ، فيكون له الضرع يخرج منه اللبن ، ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل ، وإنما يرى في ساعتين : بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جدا ، ويضحك كما يضحك الإنسان ، ويحيض كما تحيض المرأة . ويقال : إن سؤالهم كان له على وجه التعنت فقالوا : اخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن كنت صادقا في مقالتك ، فأخذا طينا وجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض وكان تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله كما أن النفخ من جبريل والخلق من الله {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ (49} آل عمرانالأكمه الذي يولد أعمى ، والبرص بياض يعتري الجلد
وكان الغالب على زمن عيسى عليه السلام الطب فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك {وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ (49} آل عمران
أحيا أربع أنفس : العاذر وكان صديقا له ، وابن العجوز وابنة العاشر وسام بن نوح ، فالله أعلم ،
فأما العاذر فإنه كان قد توفي قبل ذلك بأيام فدعا الله فقال بإذن الله وودكه يقطر فعاش وولد له
وأما ابن العجوز فإنه مر به يحمل على سريره فدعا الله فقام ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله
وأما بنت العاشر فكان أتى عليها ليلة , فدعا الله فعاشت بعد ذلك وولد لها ، فلما رأوا ذلك قالوا : إنك تحيي من كان موته قريا فلعلهم لم يموتوا فأصابتهم سكتة فأحي لنا سام بن نوح فقال لهم : دلوني على قبره فخرج وخرج القوم معه حتى انتهى إلى قبره فدعا الله فخرج من قبره وقد شاب رأسه . فقال له عيسى كيف شاب رأسك ولم يكن في زمانكم شيب ؟ فقال: يا روح الله ، إنك دعوتني فسمعت صوتا يقول : أجب روح الله ، فظننت أن القيامة قد قامت ، فمن هول ذلك شاب رأسي . فسأله عن النزع فقال : يا روح الله ، إن مرارة النزع لم تذهب عن حنجرتي ، وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة ، فقال للقوم : صدقوه فإنه نبي ، فآمن به بعضهم وكذبه بعضهم وقالوا : هذا سحر .
أن عيسى ابن مريم كان إذا أراد أن يحيى الموتى صلى ركعتين ثم دعا
لما أحيا لهم الموتى طلبوا منه آية أخرى وقالوا : أخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد : {أُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ(49} آل عمران فأخبرهم فقال : يا فلان أنت أكلت كذا وكذا ، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا ،
وكان يخبر الصبيان في الكُتاب بما يدخرون حتى منعهم آباؤهم من الجلوس معه
وجئتكم {َمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ} لما قبلي {مِنْ التَّوْرَاةِ } وجئتكم {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} من الأطعمة . أحل لهم عيسى عليه السلام ما حرم عليهم بذنوبهم ولم يكن في التوراة ، نحو أكل الشحوم وكل ذي ظفر . وأحل لهم أشياء حرمتها عليهم الأحبار ولم تكن في التوراة محرمة عليهم جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى عليه السلام { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } للدلالة على رسالته {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي(50)إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(51)}{فَلَمَّا أَحَسَّ } علم ووجد {عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ} من بني إسرائيل وأرادوا قتله { قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} أنصار نبي الله ودينه .
والحواريون أصحاب عيسى عليه السلام ، كانوا أثنى عشر رجلا
وكانوا قصارين فسموا بذلك لتبييضهم الثياب
وكانت مريم قد أسلمت عيسى إلى أعمال شتى ، وآخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قصارين وصباغين فأراد معلم عيسى السفر فقال لعيسى : عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان وقد علمتك الصبغة فاصبغها . فطبخ عيسى حبا واحدا أي لون واحد وأدخل فيه جميع الثياب وقال : كوني بإذن الله على ما أريد منك . فقدم الحواري والثياب كلها في الحب فلما رآها قال : قد أفسدتها ، فأخرج عيسى ثوبا أحمر وأصفر وأخضر إلى غير ذلك كما كان على كل ثوب مكتوب عليه لون صبغته صبغ ، فعجب الحواري ، وعلم أن ذلك من الله ودعا الناس إليه فآمنوا به ، فهم الحواريون . الذين قالوا { آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ } في كتابك وما أظهرته من حكمك {وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(53)}. اكتبنا مع الذين شهدوا لأنبيائك بالصدق .
{ وَمَكَرُوا} يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس منهم قتله . وذلك أن عيسى عليه السلام لما أخرجه قومه وأمه من بين أظهرهم عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة فهموا بقتله وتواطؤوا على الفتك به ، فذلك مكرهم
{ وَمَكَرَ اللَّهُ}. ومكر الله : استدراجه لعباده من حيث لا يعلمون
حيث ألقى شبه عيسى على غيره ورفع عيسى إليه ، وذلك أن اليهود لما اجتمعوا على قتل عيسى دخل البيت هاربا منهم فرفعه جبريل من الكوة إلى السماء ، فقال ملكهم لرجل منهم خبيث يقال له يهوذا : ادخل عليه فاقتله ، فدخل الخوخة فلم يجد هناك عيسى وألقى عليه شبه عيسى فلما خرج رأوه على شبه عيسى فأخذوه وقتلوه وصلبوه . ثم قالوا كوجه عيسى ، وبدنه يشبه بدن صاحبنا ، فإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى وإن كان هذا عيسى فأين صاحبنا فوقع بينهم قتال فقتل بعضهم بعضا ، فذلك قوله تعالى: { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(54)}
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا } ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء
متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت ،. ولم يمت بعد .. أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم
كانت القصة لما أرادوا قتل عيسى اجتمع الحواريون في غرفة وهم اثنا عشر رجلا لما أراد الله تبارك وتعالى أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وهم اثنا عشر رجلا من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال لهم : أما إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ، ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي . فقام شاب من أحدثهم فقال أنا . فقال عيسى : اجلس ، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا . فقال عيسى : اجلس ثم عاد عليهم فقام الشاب فقال أنا فقال نعم أنت ذاك . فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام . قال : ورفع الله تعالى عيسى من روزنة كانت في البيت إلى السماء . قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبيه فقتلوه ثم صلبوه ، وكفر به بعضهم اثنتى عشرة مرة بعد أن آمن به ، فتفرقوا ثلاث فرق : قالت فرقة : كان فينا الله ما شاء ثم صعد إلى السماء ، وهؤلاء اليعقوبية . وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء الله رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية . وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه غليه ، وهؤلاء المسلمون . فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم فقتلوا ، فأنزل الله تعالى {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة } أي آمن آباؤهم في زمن عيسى {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } بإظهار دينهم على دين الكفار{ فأصبحوا ظاهرين} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{ والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد} مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفخ الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما} مسلم ولا ينزل بشرع مبتدإ فينسخ به شريعتنا بل ينزل مجددا لما درس منها متبعها . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم } مسلم. وفي رواية {فأمكم منكم}
" ورافعك " مطهرك " وكذا {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ} يا محمد ,المراد الحواريون فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالحجة وإقامة البرهان { إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(55)فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا } يعني بالقتل والصلب والسبي والجزية {وَالْآخِرَةِ} وفي الآخرة بالنار {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(57)ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ(58)إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(59)} التشبيه واقع على أن عيسى خلق من غير أب كآدم ، لا على انه خلق من تراب . والشيء قد يشبه بالشيء وإن كان بينهما فرق كبير بعد أن يجتمعا في وصف واحد ، فإن آدم قد خلق من تراب ولم يخلق عيسى من تراب فكان بينهما فرق من هذه الجهة ، ولكن شبه ما بينهما انهما خلقا من غير أب ، ولأن أصل خلقهما كان من تراب لأن آدم لم يخلق من نفس التراب ، ولكنه جعل التراب طينا ثم جعله صلصالا ثم خلقه منه ، فكذلك عيسى حوله من حال إلى حال ، ثم جعله بشرا من غير أب . ونزلت هذه الآية بسبب وفد نجران حين أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم قوله :{ إن عيسى عبد الله وكلمته} فقالوا : أرنا عبدا خلق من غير أب ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم آدم من كان أبوه أعجبتم من عيسى ليس له أب ؟ فآدم عليه السلام ليس له أب ولا أم, فذلك قوله تعالى :{ ولا يأتونك بمثل } في عيسى إلا جئناك بالحق في آدم وأحسن تفسيرا . وروى أنه عليه السلام لما دعاهم إلى الإسلام قالوا قد كنا مسلمين قبلك . وقال كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث : قولكم اتخذ الله ولدا ، وأكلكم الخنزير ، وسجودكم للصليب . فقالوا : من أبو عيسى ؟ فأنزل الله تعالى :{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(60)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61) } آل عمران
فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم لبعض : إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا . فقالوا : أما تعرض علينا سوى هذا ؟ فقال : الإسلام أو الجزية أو الحرب فأقروا بالجزية
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(62)فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ(63) } آل عمران
وفيها أن أصحاب هذه القصص هم قدوة لنا في التمسك والالتزام بطاعة الله