علاج القرحة والجرح
في صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وغيرهم ، " عن عائشة رضي
الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء
منه ، أو كانت قرحة أو جرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه هكذا ،
ووضع سفيان بن عيينة الراوي سبابته بالأرض ثم رفعها و قال : بسم الله ،
تربة أرضنا بريقه بعضنا ، يشفى به سقيمنا ، بإذن ربنا " .
و في رواية : " تربة أرضنا و ريقة بعضنا " .
قال العلماء : معنى بريقة بعضنا : أي ببصاقه ، و المراد بصاق بني آدم
ريق الإنسان
قال النووي 14/403
قال جمهور العلماء: المراد بأرضنا هنا جملة الأرض، وقيل أرض المدينة
خاصة لبركتها والريقة أقل من الريق، ومعنى الحديث أنه يأخذ من ريق نفسه
على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء فيمسح به على
الموضع الجريح أو العليل ويقول هذا الكلام في حال المسح
وقال ابن القيم
وهذا من العلاج الميسر النافع المركب ، وهي معالجة لطيفة يعالج بها
القروح والجراحات الطرية ، لا سيما عند عدم غيرها من الأدوية إذ كانت
موجودة بكل أرض ، وقد علم أن طبيعة التراب الخالص بادرة يابسة مجففة
لرطوبات القروح والجراحات التي تمنع الطبيعة من جودة فعلها ، وسرعة
اندمالها ، لاسيما في البلاد الحارة ، وأصحاب الأمزجة الحارة ، فإن
القروح والجراحات يتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار ، فيجتمع حرارة
البلد والمزاج والجراح ، وطبيعة التراب الخالص باردة يابسة أشد من
برودة جميع الأدوية المفردة الباردة ، فتقابل برودة التراب حرارة المرض
، لاسيما إن كان التراب قد غسل وجفف ، ويتبعها أيضاً كثرة الرطوبات
الرديئة ، والسيلان ، والتراب مجفف لها ، مزيل لشدة يبسه وتجفيفه
للرطوبة الرديئة المانعة من برئها ، ويحصل به - مع ذلك - تعديل مزاج
العضو العليل ، ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ، ودفعت عنه
الألم بإذن الله .
ومعنى حديث عائشة أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على
التراب فيعلق بها منه شيء فيمسح به على الجرح ويقول هذا الكلام لما فيه
من بركة ذكر اسم الله وتفويض الأمر إليه والتوكل عليه فينضم أحد
العلاجين إلى الآخر فيقوى التأثير.
ولا ريب أن من التربة ما يكون فيه خاصية ينفع بها من أدواء كثيرة ويشق
بها أسقاماً ردية قال جالينوس: رأيت بالاسكندرية مطحولين ومستسقين
كثيراً يستعملون طين مصر ويطلون به على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم
وظهورهم وأضلاعهم فينتفعون به منفعة بينَّة
قال: وعلى هذا النحو قد يقع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلة
الرخوة قال: وإني لأعرف قوماً ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم
من أسفل انتفعوا بهذا الطين نفعاً بيِّناً وقوماً آخرين شفوا به
أوجاعاً مزمنة كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكناً شديداً فبرأت وذهبت
أصلا. وقال صاحب الكتاب المسيحي: قوة الطين المجلوب من كبوس وهي جريرة
المصطكي قوة يجلو ويغسل وينبت اللحم في القروح انتهى
وإذا كان هذا في هذه التربات فما الظن بأطيب تربة على وجه الأرض
وأبركها وقد خالطت ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاربت رقيته باسم
ربه وتفويض الأمر إليه انتهى.
الزاد 4/186
عون المعبود 10/265