علاج الكذب بتحري الصدق
المباح من الكذب
الأصل في الكذب عدم الجواز لكل ما جاء من نصوص , إلا ما أجازته الشريعة تحقيقاً لمصلحة هي أعظم مما في الكذب من مضرة , أو دفعاً لضرر هو أشد مما في الكذب من ضرر وحصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث حالات كما قال صلى الله عليه وسلم
{ ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو نمى خيرا}[6]
{ ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا } [7]
عن كلثوم ابنة عقبة بن أبى معيط قالت لم اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم {يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث , الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها}[8]
{لا يحل الكذب إلا في ثلاث يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس}[9]
فالأول الحرب : لأن الحرب خدعة ومقتضاها تستدعي التمويه على الأعداء , وإيهامهم بأشياء قد لا تكون موجودة , واستعمال أساليب الحرب النفسية ما أمكن , بصورة ذكيه لبقه , وسلاح الخداع في الأقوال والأفعال من الأسلحة الفتاكة في الحروب
الثاني في الصلح بين الناس : حيث أن ذلك يستدعي أحياناً أن يحاول المصلح تبرير أعمال كل طرف وأقواله بما يحقق التقارب ويزيل أسباب الشقاق وأحياناً ينسب إلى كل منهما من الأقوال الحسنة في حق صاحبه ما لم يقله وينفي عنه بعض ما قاله مما يعوق الصلح ويزيد شقة الخلاف
الثالث الكذب على الزوجة أو كذب الزوجة على زوجها : ليحدث بذلك التقارب والألفة في الأمور التي تشد أواصر الوفاق ، والمودة بينهما ، فهذه حالة يتسامح فيها بشئ من الكذب لتوثيق روابط الأسرة ، ولإضفاء الأجواء الشاعرية على مجالس الأنس والسمر والغزل بين الزوجين ، ففي مثل هذه المجالس تحلو المبالغات وإن كانت كاذبة ، وتزداد معطيات المتعة والأنس والصفاء ، وهذا ما يعمل الإسلام على تغذيته بين الزوجين [10]
ففي الحياة الزوجية يحتاج الأمر أحياناً إلى أن تكذب الزوجة على زوجها , أو يكذب الزوج على زوجته ويخفي كل منهما عن الآخر ما من شأنه أن يوغر الصدور , أو يولد النفور , أو يثير الفتن والشقاق بين الزوجين , كما يجوز أن يزف كل منهما إلى الآخر من معسول القول ما يزيد الحب ويسر النفس , ويجمل الحياة بينهما , وإن كان ما يقال كذباً , لأن هذا الربط الخطير يستحق أن يهتم به غاية الاهتمام , وأن يبذل الجهد الكافي ليظل قوياً جميلاً [11]
ومن أجل هذه المعاني جاء الاستثناء للكذب المحرم في هذه الأمور الثلاثة[12]
[6] البخاري 2692
[7] الترمذي 1938 قال حسن صحيح , صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود 4920
[8] مسلم 2605
[9] الترمذي 1939 , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1939
[10] حبنكة 1/545
[11] حسن أيوب 145
[12] الأحياء طبعة الشعب 1590 مع تصريف