علاج الكذب بتحري الصدق
الكذب الذي يأثم عليه العبد هو الذي جاء عن عمد
سواء في عدم مطابقته للحقيقة والواقع , أو مخالفته للضمير فالجزاء على العمد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ من كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار } [5]
فإن كان ناسياً أو جاهلاً أو مخطئاً لا يأثم وإن صدق عليه أنه كذب لأنه أخبر عن الشيء بخلاف ما هو عليه
أما الكافر الذي لا يخالف معتقده في ادعائه إله غير الله كالنصراني فيكفي أنه كافر وهل بعد الكفر ذنب ؟ كذب على الله وجعل له من شريك
وكما يكون الصدق والكذب في الكلام يكون الصدق والكذب في الأفعال
فقد يصدق الناس في تعبيراتهم الفعلية , وقد يكذبون , فإذا كانت تعبيراتهم الفعلية مطابقة في دلالاتها للحقيقة والواقع , فإنها تكون أفعال صادقة , وإذا كانت غير مطابقة فإنها تكون أفعالاً كاذبة
فقد يفعل الإنسان فعلاً يوهم به حدوث شئ لم يحدث , أو يعبر به عن وجود شئ غير موجود , وذلك على سبيل المخادعة بالفعل , مثلما تكون المخادعة بالقول , وربما يكون الكذب في الأفعال , أشد خطراً وأقوى تأثيراً من الكذب في الأقوال , ومن أمثلة ذلك ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال اخوة يوسف عليه السلام , إذ جاؤوا أباهم عشاءً يبكون , بكاءً كاذبا ,ً وقالوا كذباً , يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا , فأكله الذئب , وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب , فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل
قال الله تعالى عن إخوة يوسف
{ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ(16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ (17) وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ(17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أمرا ً(18) } يوسف
فبكاؤهم فعل كاذب قصدوا به التعبير لأبيهم عن حزنهم على يوسف الذي أكله الذئب بزعمهم , وهم الجانون عليه , إذ ألقوه في الجب , وقصتهم التي أخبروا عنها قصة مفتراة من عند أنفسهم , والذئب برئ من دم أخيهم , فأقوالهم فيها أقوال كاذبة , وتلطيخهم قميص يوسف بدم شاة , ذبحوها ليوهموا به صحة ما زعموا من أكل الذئب له , فعل كاذب والدم ليس دم يوسف ,بل هو دم كذب وهكذا لفقوا عدة أكاذيب قولية وفعلية , ليستروا بها ما جنوه على أخيهم
وما أكثر ما يكذب الإنسان بالحركات التعبيرية كإشارات اليد والعين والحاجب والرأس وتكون دلالاتها غير مطابقة للحقيقة والكذب في الأفعال أكثر عند الناس من الكذب في الأقوال
وقد أجمعت الأمة على وقاحة الكذب وحرمة أكثر أنواعه إلا ما أباحته الشريعة لمصلحة أعظم من مفسدة الكذب
[5] البخاري 110