هل تكرر المعراج؟
قال الحافظ ابن كثير بعد أن ساق الأحاديث الواردة في
هذا الموضوع: "وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها
وحسنها وضعيفها؛ فحصل مضمون ما اتفقت عليه من إسراء رسول الله صلى الله
عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس وأنه مرة واحدة، وإن اختلفت عبارات
الرواة في أدائه، أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه؛ فإن الخطأ جائز على من
عدا الأنبياء عليهم السلام.
ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة،
فأثبت إسراءات متعددة؛ فقد أبعد وأغرب وهرب إلى غير مهرب ولم يتحصل على
مطلب.
وقد صرح بعض المتأخرين بأنه عليه السلام أسري به مرة
من مكة إلى بيت المقدس فقط، ومرة من مكة إلى السماء فقط، ومرة إلى بيت
المقدس ومنه إلى السماء، وفرح بهذا المسلك، وأنه قد ظفر بشيء يخلص به
من الإشكالات، وهذا بعيد جدا، ولم ينقل هذا عن أحد من السلف، ولو تعدد
هذا التعدد؛ لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به أمته، ولنقله الناس على
التعدد والتكرار.
وزعم بعض الصوفية أن المعراج وقع له صلى الله عليه
وسلم ثلاثين مرة! وقال بعضهم: أربعا وثلاثين مرة!! واحدة منها
بجسمه الشريف والباقي بروحه!! وقيل: كان الإسراء مرتين؛ مرة
يقظة، ومرة مناما!! وأصحاب هذا القول كأنهم أرادوا الجمع بين حديث
شريك وقوله "ثم استيقظت"وبين سائر الروايات!! وكذلك منهم من
قال: بل كان مرتين؛ مرة قبل الوحي ومرة بعده!! ومنهم من قال:
بل ثلاث مرات؛ مرة قبل الوحي ومرتين بعده!! وكلما اشتبه عليهم
لفظة؛ زادوا مرة للتوفيق.
قال ابن القيم: "يا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه
كان مرارا؛ كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة يفرض عليهم الصلوات
خمسين، ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسا، فيقول: أمضيت
فريضتي وخففت عن عبادي... ثم يعيدها في المرة الثانية خمسين، ثم
يحطها إلى خمس... "!!
وقال ابن كثير: "وكان بعض الرواة يحذف بعض الخبر للعلم به، أو ينساه، أو يذكر ما هو الأهم عنده، أو يبسط تارة فيسوقه كله، وتارة يحذف عن مخاطبه بما هو الأنفع عنده... ومن جعل كل رواية إسراء على حدة كما تقدم عن بعضهم؛ فقد أبعد جدا، وذلك أن كل السياقات فيها السلام على الأنبياء، وفي كل منها يعرفه بهم، وفي كلها يفرض عليه الصلوات؛ فكيف يمكن أن يدعى تعدد ذلك؟! هذا في غاية البعد والاستحالة. والله أعلم"اه