هل كان الإسراء ببدنه عليه
السلام وروحه أو بروحه فقط؟
اختلف الناس: هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام
وروحه أو بروحه فقط؟ على قولين:
فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة
لا مناما، والدليل على ذلك قوله تعالى: {سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} ؛
فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام؛ فلو كان مناما؛ لم يكن فيه شيء
كبير، ولم يكن مستعظما، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت
جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضا؛ فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والبدن،
وقد قال تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلًا} ، وأيضا قال سبحانه: {وَمَا
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}
؛ قال ابن عباس: "هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة أسري به". رواه البخاري. وأيضا قال سبحانه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} ، والبصر من آلات الذات لا
الروح، وأيضا فإنه حمل على البراق، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان،
وإنما يكون هذا للبدن لا للروح؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب
تركب عليه.
وقال آخرون: بل أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم
بروحه لا بجسده، نقل هذا القول ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله
عنهما، ونقل عن الحسن البصري نحوه، وليس المراد بهذا القول أن الإسراء
كان مناما، بل إن الروح ذاتها أسري بها، ففارقت الجسد، ثم عادت
إليه... وهذا من خصائصه؛ فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود
الكامل إلى السماء إلا بعد الموت.
والمراد بالمنام أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا
مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة، فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء
وذهب به إلى مكة، وروحه لم تصعد ولم تذهب، وإنما ملك الرؤيا ضرب له
المثال، والفرق بين الأمرين واضح.
واستدل من قال: إن الإسراء كان بروحه لا بجسده؛ بما
جاء في رواية شريك بن أبي نمر، عن أنس: "ثم استيقظت؛ فإذا أنا في
الحجر".
وقد أجيب عنه بجوابين:
أحدهما: أن هذا معدود من غلطات شريك؛ فقد غلط الحفاظ
شريكا في ألفاظ من حديث الإسراء.
الثاني: أن الاستيقاظ محمول على الانتقال من حال إلى
حال.
قال ابن كثير: "وهذا الحمل أحسن من التغليط.
والله أعلم".
إلى أن قال: "ونحن لا ننكر وقوع منام قبل الإسراء طبق ما وقع بعد ذلك؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد تقدم مثل ذلك في حديث بدء الوحي أنه رأى مثل ما وقع له يقظة مناما قبله ليكون ذلك من باب الإرهاص والتوطئة والتثبيت والإيناس..."والله أعلم.