علاج العصيان بطلب الغفران
فضل الاستغفار في الدنيا
الاستغفار يجلي القلب بعد أن يسود بالمعصية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله تعالى { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) }المطففين }[11]
المستغفر ينال من الله المغفرة ومعها مصادر القوة وهي الإمداد بالمال والأولاد والزرع والماء الذي هو أصل الحياة
لقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)} نوح
ولهذا خرج عمر رضي الله عنه يستسقى فلم يزد على الاستغفار ، فقالوا : ما رأيناك استسقيت ؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر ، ثم قرأ هذه الآيات
وعن الحسن البصري رحمه الله: أن رجلا شكى إليه الجدب فقال: استغفر الله ، وشكى إليه آخر الفقر ، فقال: استغفر الله ، وشكى إليه ثالث جفاف بستانه ، فقال : استغفر الله ، وشكى إليه رابع عدم الولد ، فقال: استغفر الله
المستغفر يجد فرجاً لهمومه ومخرج عند الضيق والرزق دون احتساب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
}من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب } [12]
المستغفر آمن من العذاب في الدنيا
انْكَسَفَتِ الشمس عَلَى عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فصلى صلاة الكسوف وقال:{ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ففرغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد أمحصت الشمس }[13]
وقال تعالى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الأنفال
قال ابن عباس كان فيهم أمانان من عذاب الله رسول الله والاستغفار فذهب رسول الله وبقي الاستغفار
الله يغفر لمن استغفره ، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا(110) } النساء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ هذه الآية { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) } آل عمران }[14]
{وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً } الزنا وكل فعلة قبـيحة خارجة عما أذن الله عزّ وجلّ {أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } بركوبهم معصية الله وما أوجبوا به العقوبة لأنفسهم {ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } ذكروا وعيد الله علـى ما أتوا من معصيتهم إياه {فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } فسألوا ربهم أن يستر علـيهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة علـيها
أي صدر منهم ذنب أتبعوه بالاستغفار
{وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ} لا يغفرها أحد سواه
وهل يغفر الذنوب: أي يعفو عن راكبها فـيسترها علـيه إلا الله ؟ {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } ولـم يقـيـموا علـى ذنوبهم التـي أتوها ، ومعصيتهم التـي ركبوها {وَهُمْ يَعْلَمُونَ } لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها ، وهم يعلمون أن الله قد تقدّم بالنهي عنها ، وأوعد علـيها العقوبة لمن ركبها
وهذه الآية أنزلت خصوصا بتـخفـيفها ويسرها أُمَّتَنا
كان بنو إسرائيـل إذا أذنب أحدهم أصبحت كفـارة ذنبه مكتوبة
فـي عتبة بـابه , اجدع أذنك ، أجدع أنفك ، فنزلت لنا: {وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلاْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }... إلى قوله: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ }آل عمران
قال ابن مسعود: كانت بنو إسرائيـل إذا أذنبوا ، أصبح مكتوبا علـى بـاب المذنب الذنب وكفـارته ، فأعطينا خيرا من ذلك هذه الآية
عن ثابت البنانـي ، قال: لـما نزلت: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ (11) } النساء بكى إبلـيس فزعا من هذه الآية
{وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } لـم يثبتوا علـى ما أتوا من الذنوب ، ولـم يقـيـموا علـيه ، ولكنهم تابوا واستغفروا
أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها ، ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه ، فليس تكرار الوقوع في الذنب إصرّارا ً، لقوله صلى الله عليه وسلم { ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة}[15]
فقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصرّ عليه ، فمعلوم بذلك أن الإصرار غير الموقعة
والآية فيها إشارة إلى أن من شرط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب ، وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب
أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه ، وسعة رحمته ومغفرته ، فمن أذنب صغيرا كان أو كبيرا ، ثم يستغفر الله ، يجد الله غفورا رحيما ، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول
{يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته فاسألوني المغفرة أغفر لكم ومن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة واستغفرني بقدرتي غفرت له [16]}[17]
[11] الترمذي 334 وقال حسن صحيح , ابن حبان 7/27, الحاكم وصححه , حسنه الألباني في صحيح الترغيب 1620
[12] المسند 1/248 , صحح إسناده أحمد شاكر 2234
[13] أبو داوود 1194 , صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود 1149
[14] أبو داود 1521 , ابن حبان 2/389 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 1621
[15] أبو داوود 1514 , حسنه ابن كثير في التفسير 1/409 , ضعفه الألباني في سنن إبي داوود1514
[16] {من استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي} الترمذي 2495 وحسنه , ابن ماجة 4257
[17] المسند 5/154 , ابن ماجه 4257 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 1635