علاج العصيان بطلب الغفران
الاستغفار لا يحتاجه العصاة وحدهم
بل أهل الطاعة محتاجون أيضا إلى كثرة الاستغفار ، لأن التقصير لابد أن يحصل في العبادة ، فينبغي للعابد أن يجبر هذا التقصير بالاستغفار عند الفراغ من العبادة , ولذا شرع الاستغفار عقب الطاعات:
شرع للحجاج إذا أفاضوا من عرفات بعد أداء الركن العظيم وبعد المن ّعليهم بالعفو والمغفرة والعتق من النيران أن يستغفروا الله ، فقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ (199)}البقرة
وشرع في نهاية الصلاة أن يقول {اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك}[36]
وهذا الدعاء شرع الإتيان به عند ركوب السيارة
وشرع للمصلي إذا انصرف من صلاته أن يقول: استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله
ولقد وعى المتقون ذلك ، فكانوا يبيتون لربهم سجدا وقياما ، حتى إذا كان السحر جلسوا يستغفرون الله ، فمدحهم الله على ذلك ، وآتاهم من النعيم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر , قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15)آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ(16)كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17)وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18) } الذاريات
مما يستغفر هؤلاء ؟ ألم يقوموا والناس نيام ؟ ألم يتركوا فرشهم
وزوجاتهم ولذاتهم وقاموا يرجون الآخرة ورحمة ربهم ؟ ففيم الاستغفار إنه معرفة العبد لقدر ربه أولاً ثم قدر نفسه ثانياً فلما علم عظمة خالقه وغناه عن خلقه , استصغر نفسه واحتقر عمله واستغفر ربه
بل أهل الجنة وهم في طريقهم إلى الجنة يستغفرون ربهم , يقول تعالى
{يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8) } التحريم
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار وكان يقول
{إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة}[37]
وهو المعصوم من الخطأ وهو المغفور له ما تقدم وما تأخر من ذنبه بل كان أقل أحواله صلى الله عليه وسلم أنه يستغفر في اليوم سبعين مرة فقد قال صلى الله عليه وسلم {إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة }[38]
وبعض الناس لو حاسبوا أنفسهم لوجدوا أنهم لم يستغفروا في العام كامل سبعين مرة التي كان يأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم في أقل أحواله على عصمته وغفران ذنوبه المقدمة والمؤخرة , مع أنهم أحوج بالاستغفار لأنهم ذو خطأ
[36] البخاري 834
[37] الدارمي 2/391 , البيهقي في السنن الكبرى 6/114 , ابن حبان 3/211 , صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود 1515
[38] الترمذي وقال حسن صحيح , الطبراني في الأوسط 2397 , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3259