علاج العصيان بطلب الغفران
الغفران
يقول الله تعالى لنبيه أن يخبر الناس جميعاً بقوله تعالى
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) } الحجر
الله تعالى يخبر أنه غفور رحيم وأن رحمته وسعت كل شيء وأن مغفرته تسع الذنوب كلها لمن تركها لله وابتغى مرضاته وصدق في ذلك
أما المصر على المعصية السعيد بها الذي لا يريد تركها فإن الله تعالى القوي العزيز أخبر في هذه الآية أيضاً بأن عذابه هو العذاب الشديد
فالمصرّ على معصية الله هالك ، لأنه لا تنهاه مخافة الله عن حرام حرَّمه الله عليه ، ولا يستغفر من ذنب أصابه , فهو قُدُما قدُما في معاصي الله
ومعنى الإصرار هو الإقامة علـى الذنب عامدا وترك الاستغفار منه , لأن الله عزّ وجلّ مدح بترك الإصرار علـى الذنب مواقع الذنب ، فقال: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) } آل عمران
والمصر على المعصية حاله يؤول لعذاب الله
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر
{ ويل للمُصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون}[2]
وهذه الرسالة موجهة لمن يؤول حاله لرحمة الله ومغفرته , لمن يرغب في أصلاح نفسه لله , لمن وجد الله في قلبه الخوف منه ورجا مغفرته , فهذا يجد الله له وسع المغفرة وإن تكرر منه الذنب
{ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ(32)} النجم
أي هو بصير بكم عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي ستصدر عنكم وتقع منكم , ولذا يقول من فضله وسعة مغفرته
{ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة}[3]
الله تعالى في هذا الحديث يقول لعبده الواقع في المعاصي ما دمت تدعوني
وترجوني غفرت لك على ما كان فيك من المعاصي وإن تكررت وكثرت ولا أنظر إن كانت ذنوباً كثيرة أو قليلة كبائر أو صغائر لا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره ولا أسأل عما فعلت مادمت ترجو مغفرتي ورحمتي وتدعوني
ويقول تعالى له أيضاً لو تراكمت ذنوبك فوق بعضها وعظمت كثرتها حتى تبلغ السحاب المحمل بالمطر في السماء وقولت اللهم اغفر لي غفرت لك
ويقول تعالى له أيضاً لو لقيتني بعدد تراب الأرض خطايا وأنت لا تشرك بي شيئاً , لا نبي ولا ولي , قابلتك بعدد خطاياك مغفرة
{يقول الله تعالى من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بقرابها مغفرة}[4]
فالتوحيد هو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بالمغفرة قال الله تعالى {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ (48)} النساء
فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه حتى الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوي الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر وربما قلبتها حسنات فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات [5]
ومن أهم ما يدعو به العبد ربه مغفرة ذنوبه وقد قال صلى الله عليه وسلم
{ ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة عنده أو يغفر له بها ذنبا قد سلف قالوا إذا نكثر قال الله أكثر}[6]
والإلحاح في الدعاء بطلب المغفرة مع رجاء الله تعالى موجب للمغفرة والله تعالى يقول في الحديث القدسي
{أنا عند ظن عبدي بي , فليظن بي ما شاء }[7]
{ أنا عند ظن عبدي بي ، إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله}[8]
فالعبد عندما يظن أن الله يغفر له ويصلح له حاله سيجد الله عند ظنه فلا تظنوا بالله إلا خيرا
والمغفرة يجدها العبد من ربه إذا أذنب ذنبا ولم يرج مغفرة الذنب إلا
من الله ويعلم أنه لا يغفر الذنوب ويأخذ بها ألا الله
وقوله { إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي}
قال النبي صلى الله عليه وسلم
{إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء} [9]
فذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته
عن جابر {أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول واذنوباه مرتين أو ثلاثا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجي عندي من عملي فقالها ثم قال
له عد فعاد ثم قال له عد فعاد فقال له قم قد غفر الله لك} [10]
[2] المسند 2/165 , صححه الألباني في الصحيحة 482
[3] الترمذي 3534 وقال حسن صحيح , حسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب 1616
العنان هو السحاب وقراب الأرض بضم القاف ما يقارب ملأها
[4] ابن ماجة 3821 , صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 3821
[5] كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم{لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل}
سنن ابن ماجة 3797 في الزوائد قال في إسناده زكريا ابن منظور وهو ضعيف
[6] المسند 3/18 , الطبراني في الأوسط 4/337 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 1633
[7] ابن حبان 2/15 , صححه الألباني في الصحيح 4316
[8] ابن حبان 2/16 , صححه الألباني في الصحيح 4315
[9] ابن حبان 3/177 , صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد 465 , 607
[10] الحاكم 1/543 وقال رواته عن آخرهم مدنيون ممن لا يعرف واحد منهم بجرح ولم يخرجاه , ضعفه الألباني في الترغيب1007