علاج العصيان بطلب الغفران
أفضل أنواع الاستغفار
أفضل الاستغفار ما قرن به ترك الإصرار وهو حينئذ يؤمل توبة نصوحا وهو أن يقول بلسانه أستغفر الله مقلع بقلبه فهو داع لله بالمغفرة كما يقول اللهم اغفر لي وقد يرجي له الإجابة إن بدأ العبد بالثناء على ربه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل الله المغفرة ، كما في حديث
{ سيد الاستغفار..}
لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد ، وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور
فقوله: { أن يقول العبد ، اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت خلقتني } اعتراف بربوبية الله وألوهيته ، قول العبد أنت ربي خلقتني ، ليس لي رب غيرك ، ولا خالق سواك ، وأنت معبودي وحدك {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الفاتحة
وقوله: {وأنا عبدك} فيه التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة ، وامتثال أمر سيده ، واجتناب نهيه ، ودوام الافتقار إليه
وفيه أني عبد من جميع الوجوه : صغيرا وكبيرا ، حيا وميتا ، مطيعا وعاصيا ، معافى ومبتلى ، وفيه أن مالي ونفسي ملك لك , وأنت الذي مننت علي بكل ما أنا فيه من نعمة ، وأني لا أملك لنفسي خيرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا
وقوله: {وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت}
فالعبد يقول يا رب أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك ، وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك ، وأنا مقيم على ما عهدت إلي من أمرك ، ومتمسك به ، ومنتجز وعدك في المثوبة والأجر
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : {ما استطعت} إعلام لأمته أن أحدا لا يقدر على الإتيان بجميع ما يجب عليه لله ، ولا الوفاء بكمال الطاعات والشكر على النعم ، فرفق الله بعباده فلم يكلفهم من ذلك إلا وسعهم
وقوله: { أبوء لك بنعمتك علي } أي أعترف بأن ما بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك ، وقوله: { وأبوء بذنبي} أي أعترف وأقر بما ارتكبت من الذنوب والخطايا ، ومنها عدم قيامي بشكرك على نعمك
وقوله: {فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} هذا الاعتراف الثاني بعد الاعتراف الأول من موجبات المغفرة وقوله صلى الله عليه وسلم : {من قالها من النهار موقنا بها فمات قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة}
فيه الإشارة إلى ضرورة تعلم هذه الكلمات ، وقولها صباحا ومساءا
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى {سيد الاستغفار} ففيه الإقرار لله وحده بالأُلوهية والعبودية ، والاعتراف بأنه الخالق ، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده ، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه ، وإضافة النعماء إلى موجودها ، وإضافة الذنب إلى نفسه ، ورغبته في المغفرة ، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على المغفرة إلا الله