علاج العائن
أولاً : في حالة حدوث ضرر منه للآخرين سواء بإرادته أو بغير إرادته فعليه فعل الآتي
1- دفع العائن شر عينه قبل أن يستحكم ضررها في المعيون
وهو إحسان إلى المعين فيقول اللهم بارك عليه ، اللهم بارك له , لقوله صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة , لما عان سهل بن حنيف
{ ألا بركت عليه } [111]
ولقوله صلى الله عليه وسلم
{إذا رأى أحدكم من أخيه , ما يعجبه فليدع له بالبركة}[112]
ولقوله صلى الله عليه وسلم {ما يمنع أحدكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه من نفسه وماله أن يبرك عليه فإن العين حق }[113]
أو يقول اللهم بارك فيه ، أو تبارك الله أحسن الخالقين [114]
أو يأتي بالمشيئة فبها أو بأي دعاء من الأدعية المذكورة ينتهي تأثير عينه فلا يستحكم الضرر في المعيون [115]
وله أن يرقيه برقية جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم
{باسم الله أرقيك ، من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله أرقيك }[116]
عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم {من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه}[117]
فقد لدغ عقرب رجلًا من جلوس النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يا رسول الله أرقيه { فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل }[118]
2 - رفع العائن شر عينه بعد أن استحكم ضررها في المعيون
( بعد الإصابة ) وذلك بوضوئه ليغتسل به المعين
إن شعر بأن بصره قد كان له أثر سيئ , فليتوضأ كما في حديث سهل بن حنيف لما أصابه عامر بن ربيعة والذي بين لنا فيه صلى الله عليه وسلم صفة الوضوء , وكيفية صبه على المعيون عندما أمر عامر بن ربيعة به
فالشرع ورد بالوضوء لهذا الأمر في حديث سهل بن حنيف لما أصيب بالعين عند اغتساله , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائنه أن يتوضأ فقال { توضأ له }[119]
وهذا كان أمراً معلوماً عندهم ، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم ، وظاهر الأمر الوجوب , فعليه بذل الوضوء ولا ينتظر حتى يطلب المعيون ذلك منه [120]
ومتى طلب منه الوضوء ليغتسل منه المعيون فعل ذلك لحديث عائشة قالت :{كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين } [121]
وخاصة إذا خشي الهلاك فإنه يتعين عليه
وإذا شك إنساناً في إصابته بعين وأُمر أن يغتسل لأخيه أغتسل [122]
وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل وليس في ذلك فتح باب للعداوة والبغضاء وإنما هو عملاً بالحديث , وكل هذا إرضاء لله في إصلاح النفس لله وتبرئتها من إيذاء الآخرين
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطة فليس له أصل وكذلك الأخذ من أثره , وإنما الوارد غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم [123]
صفة وضوء وغسل العائن وكيفية صبه على المعيون
صفة وضوء العائن عند العلماء , أخذاً بما جاء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة , أن يؤتى بقدح ماء , ولا يوضع القدح في الأرض , فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح , ثم يأخذ منه ماء يغسل وجهه , يأخذ الماء بيده اليمنى , ثم يصبه صب على الوجه , وكذلك باقي أعضائه إنما هو صبه صب , على كل عضو في ذلك الوضوء , في القدح , وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء العادي وغيره , فيأخذ بشماله ماء يغسل به كفه اليمنى , ثم بيمينه ماء يغسل به مرفقه الأيسر , ولا يغسل ما بين المرفقين والكعبين , ثم يغسل قدمه اليمنى , ثم اليسرى على الصفة المتقدمة , أي صب الماء صب فلا يغسل جميعهما , وإنما يصب الماء في طرف قدمه اليمنى من عند أصول أصابعه , واليسرى كذلك , وكل ذلك في القدح , ثم داخلة إزاره وهو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن , أي ما يلي الجسد منه يدخله ويغمسه في القدح ، فإذا استكمل هذا , يقوم الذي في يده القدح , أي يكون القدح أسفل صب الماء على الأعضاء , حتى ينزل فيه الماء المصبوب على العضو , فيصبه على رأس المعين , من ورائه على جميع جسده , ويستغفله بذلك عند صبه عليه ,ثم يكفأ القدح وراءه على ظهر الأرض وبذلك يرجع المعيون لا بأس به [124]
هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ، ومعرفة وجهه من جهة العقل ، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات , فلا يرد لكونه لا يعقل معناه , وإن توقف متشرع قلنا له قل الله ورسوله أعلم ، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة أو توقف متفلسفاً ، فالرد عليه أظهر , لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك [125]
وهذا مما لا ينتفع به من أنكره ، أو سخر منه ، أو شك فيه ، أو فعله مجرباً لا يعتقد أن ذلك ينفعه
والمعالجة بهذا والاستغسال ما تشهد له العقول الصحيحة ، وتقر لمناسبته ، لأن الأمر في ذلك من الوحي , أما عن المعنى فإن أثر تلك العين شعلة نار وقعت على جسد المعيون ، ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة , ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ، ولا شيء أرق من العين ، فكأن في غسلها إبطال لعملها ، ولا سيما للأرواح الشيطانية في تلك المواضع , وفيه أيضاً وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذاً ، فتطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء , وهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظر ، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى الدعاء بالبركة وقول ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله والذي هو إحسان إلى المعين ليدفع تلك الكيفية الخبيثة [126]
[111] الموطأ 2/938 , ابن ماجة 3509 , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4562
[112] ابن ماجة 3509 صححه الألباني صحيح ابن ماجة 3509
[113] المجمع 5/108 قال رجال أحمد 3/447رجال الصحيح , صححه الألباني في الكلم الطيب
[114] حكاه الهيثمي عن بعض أهل العلم عمن يعجبه الشيء المجمع 5/109
[115] ولقوله صلى الله عليه وسلم {من رأى شيئا فأعجبه ، فقال ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ،لم تضره العين}
كشف الخفاء 2/100 عزاه للبزار وابن السني , والشوكاني نيل الأوتار باب الرقية من العين , أما رواية الكلم الطيب فقد ضعف إسناده الألباني 178
وفي رواية {فقال ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، لم يضره }
قاله ابن القيم نقله عنه الشوكاني بتصريف منه في نيل الأوتار ونقله ابن حجر في الفتح 10/ 215 مع تصريف وسكت عنه
[116] مسلم 14/393
[117] مسلم 2199
[118] المسند 3/382 , البيهقي في السنن الكبرى 9/ 348 , صححه الألباني في الصحيحة 472
[119] الموطأ 2/938 , ابن ماجة 3509ا , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4562
[120] الأحوذي 6/87 مع تصريف
[121] البيهقي 9/351 , أبو داوود 3880 , الألباني صحح إسناده في صحيح أبو داوود 3286 , والصحيحة 2522
[122] انظر المعنى في فتاوى اللجنة الدائمة 1/177
[123] قاله الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الفتاوى الإسلامية 4/473
[124] النووي 14/395 مع جمعي لرويات الزهري
[125] نقله ابن حجر في الفتح 10/ 215 عن المازري وابن العربي وكذا الأحوذي 6/187
[126] ابن القيم