معنى المنافسة
المنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره وهي بهذا المعنى من شرف النفس وعلو الهمة
والفرق بينها وبين الحسد أظهر من أن يخفى [15]
المنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة
1 - المنافسة هي المبادرة إلى الكمال الذي يشاهده الإنسان في غيره فينافسه فيه حتى يلحقه أو يجاوزه فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر، قال تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(26)} المطففين
وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلباً ورغبة ، فينافس فيه كل من أصحاب النفس الشريفة ، وربما فرحت إذا شاركتها فيه , كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافسون في الخير ويفرح بعضهم ببعض باشتراكهم فيه ، بل يحض بعضهم بعضاً عليه مع تنافسهم فيه وهي نوع من المسابقة، وقد قال تعالى{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (48} المائدة وقال تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ (21) } الحجرات وكان عمر بن الخطاب يسابق أبا بكر رضي الله عنهما فلم يظفر بسبقه أبدا ً، فلما علم أنه قد استولى على الإمامة قال: والله لا أسابقك إلى شئ أبداً، وقال: والله ما سبقته إلى خير إلا وجدته قد سبقني إليه. والمتنافسان كابنين بين يدي أبوهما يتباريان ويتنافسان في مرضاته ويتسابقان إلى محابه، فالأب يعجبه ذلك منهما ويحثهما عليه وكل منهما يحب الآخر ويحرضه على مرضاة والده
2 - الحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير، فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم كما قال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ ٌ(109) } البقرة
الحسود عدو النعمة متمنٍ زوالها عن المحسود كما هي مُزالة عنه
المنافس مسابق النعمة متمني تمامها عليه وعلى من ينافسه ، فهو ينافس غيره متمني أن يعلو عليه , ويحب لحاقه به ومجاوزته له في الفضل
الحسود يحب انحطاط غيره حتى يساويه في النقصان
وأكثر النفوس الفاضلة الخيرة تنتفع بالمنافسة ، فمن جعل نصب عينيه شخصاً من أهل الفضل والسبق فنافسه انتفع به كثيراً فإنه يتشبه به ويطلب اللحاق به والتقدم عليه وهذا لا تذمه
وقد يطلق اسم الحسد على المنافسة المحمودة كما في حديث
{لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق
وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها }[16]
فهذا حسد منافسة وغبطة يدل على علو همة صاحبه وكبر نفسه وطلبها للتشبه بأهل الفضل [17]
الحسد كراهة للنعمة على الغير مطلقاً فهذا هو الحسد المذموم
وإذا ابغض الحاسد ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا في قلبه ويتلذذ بزوال النعمة عنه , وان لم يحصل له نفع بزوالها , لكن بزوال الألم الذي كان في نفسه , كالمريض الذي عولج بما يسكن وجعه والمرض باقي , فإن بغضه لنعمة الله على عبده مرض , فان تلك النعمة قد تعود على لمحسود واعظم منها , وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود , والحاسد ليس له غرض في شئ معين , لكن نفسه تكره ما أُنعم به على البشر , ولهذا قال من قال أنه تمنى زوال النعمة فان من كره النعمة على غيره تمنى زوالها بقلبه
الغبطة كراهة الحاسد لفضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدا في الحديث { لا حسد إلا في اثنتين} [18]
الفرق والجمع بين المنافسة والغبطة والحسد
بين المنافسة والغبطة جمع وفرق ، وبينهما وبين الحسد أيضا جمع وفرق
المنافسة تتضمن مسابقة واجتهاداً وحرصاً
الغبطة تتضمن نوع تعجب أو فرح للمغبوط ، أو استحسان لحاله الحسد يدل على مهانة الحاسد وعجزه ، وإلا فلينافس من حسده فذلك أنفع له من حسده [19]
الحسد لا يكون إلا على نعمة فإذا أنعم الله على إنسان نعمة فقد يكون لأخيه فيها حالتان
إحداها أن يكره تلك النعمة ويحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسداً
الثانية أن لا يحب زوالها ولا يكره وجودها ودوامها له ولكنه يريد لنفسه مثلها فهذا يسمى غبطة
فالأول حرام على كل حال إلا نعمة على كافر أو فاجر وهو يستعين بها على إيذاء الخلق وتهييج الفتن وإفساد بين الناس وإشاعة الفحشاء في الأمة والإعلان بالمعصية حتى يفجر الناس وغير ذلك من إيذاء العباد فهذه لا يضره كراهته لها ولا محبته زوالها فإنه لم يحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة للفساد
[15] روح المعاني 30/ 76
[16]البخاري 7141
[17] ابن القيم
[18] فتاوى ابن تيمية 10/112
[19] ابن القيم