الإصابة بالعين
الإصابة بالعين إما أن تكون من عين إنسية أو عين من الجن ، فالجن يصيبون بالعين كإصابة الإنس أو أشد فقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
{يتعوذ من عين الجان وعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سواهما}[84]
وعن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال {استرقوا لها ، فإن بها النظرة }[85]
يعني من الجن ، يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح , قال صلى الله عليه وسلم
{ العين حق يحضر بها الشيطان وحسد بن آدم } [86]
فالشيطان يحضرها بالإعجاب بالشيء وحسد ابن آدم بغفلة عن الله فيحدث في المنظور علة يكون النظر بالعين سببها يسمى عند القراء الرقاة بشيطـان العيـن
فالإنسان الحاسد العائن الحاقد يكون مصحوبا بالشياطين ، إذ يجدونه
بغيتهم وضالتهم ومن خلاله يتسلطون على المحسودين ، فهم عند خروج أسهم الحسد من العائن يرونها فيقترنون بها ويدخلون في بدن المعيون من خلالها ويتسلطون على جسد المحسود بما تطلبته عين الحاسد ، لأن العين في هذه الحالة تكون لشيطان الحسد ، وقد يكون الشيطان مربوطاً بهذه العين ولا يمكن إخراجه إلا بعد أن تنفك العين عن المعيون بالرقية أو بالاغتسال من أثر المعيون ، وهذا لا يعني أن جميع حالات الحسد تكون مصحوبة بشيطان ولكن في بعض الحالات [87]
العائن وهو الذي يصيب ويؤذي بعينه وأثر ذلك في المعيون الذي أصابه الأذى من العائن
قال تعالى { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ (51)} القلم والمقصود بذلك هنا اليهود ، لأنهـم لـم يتوقعوا أن تكون الرسالة في العرب , وكذلك ما قصه القرآن لنا في قصة يوسف وأخوته لما أمرهم أبوهم بالذهاب إلى مصر والبحث عن يوسف في قوله تعالى { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ(67) } يوسف
فيعقوب عليه السلام كان لديه أحد عشر ولداً وهم جميلوا الصورة والهيئة والبنية فخشي عليهم من الحسد إن هم دخلوا من باب واحد ، لذا أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة وما كان يغني عنه هذا الفعل إن أراد الله بهم شيء ولكن هو تحرز واحتياط
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا}[88]
أسماء بنت عميس ، قالت قلت:
{ يا رسول الله ! إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم ؟ فقال : نعم فلو كان شئ يسبق القضاء لسبقته العين}[89]
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس
{ما لـي أرى أجسام بني أخي ضارعة نحيفة تصيبهم الحاجة ؟ قالت لا ، و لكن العين تسرع إليهم ، فقال أرقيهم }[90]
بعد ذكر هذه الأدلة الثابتة الصحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم بأن للعين تأثير على الغير ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الإنسان , فلولا أن أعين شر لم يتعوذ منها , ولو لم يكن الأمر كذلك , لما أمرنا الله أن نستعيذ بالله من شـر الحساد فمنهم حساد عائنين , ولما أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نستعيذ من كل ذي شر وحـاسد , فللحسد والـعين إذاً تأثير لما ورد من النصوص فيها , فقد تكون العين سببا لـذهاب النعمة بأمر الله ، وسببا للمرض ، وسببـاً للـموت ، وأسبابـاً كثيرة جداً , وليس معنى ذلك أن كل أمر يحدث في حياتنا ممـا قـدر الله حدوثـه يكـون من العين أومن الحسد كما يعتقد البعض ، فالأمـر ليس كذلك بالطبـع بالرغم من ورود نصوص تعظم من شأن العين فكـل هذه الأدلة تعني أن العين مؤثرة في الإنسان والحيوان والجماد وغيره من كل ما كان في مسمي النعمة والعطاء الذي يعطيه الله لعباده ،سواء
لحكمة يريدها المولى سبحانه وتعالى أو نقمة [91]
ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام ، فإنه أمر مشاهد محسوس ، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها ، وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بيناً ، ولهذا أمر الله رسوله أن يستعيذ بالله من شره ، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكر ، وهو أصل الإصابة بالعين ، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود ، فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى التي تؤثر بالنظرة في إسقاط الجنين أو في طمس البصر
وعين الإنسان قد تؤثر بمجرد الرؤية من غير اتصال به ،سواء لشدة
خبث تلك النفس ، وكيفيتها الخبيثة المؤثرة ، أو لشدة إعجابها
والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية ، بل التأثير يكون تارة بالاتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل ، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى ، فيوصف له الشيء ، فتؤثر نفسه فيه ، وإن لم يره ، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية ، فنظرهم سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة
فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه ، أثرت فيه ، ولا بد ، وإن صادفته
حذراً متحصن بالأذكار فلا منفذ فيه لسهام لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على صاحبها ، وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء ، فهذا من النفوس والأرواح ، وذلك من الأجسام والأشباح , وأصله من إعجاب العائن بالشيء ، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين ، وقد يعين الرجل نفسه ، وقد يعين بغير إرادته ، بل بطبعه ، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني [92]
وقد تحدث إصابة بعين إنسان لا يقصد الإضرار وليس فيه حسد
وهذا معناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها علمه , فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى [93]
[84] الترمذي 2058 وحسنه , ابن ماجة 3511 , حسنه الحافظ في الفتح 10/206 , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4563
[85] البخاري 5739 مسلم 14/407
[86] المسند2/439 , صحح إسناده كلاً من المناوي 5744 ومكمل شرح المسند9666 , مسند الشاميين 1/ 265 وسكت عنه الحافظ في الفتح 10/210 والمجمع 5/107 قال الهبثمي رواه أخمد ورجاله رجال الصحيح , ضعفه الألباني في الترغيب 2364
[87] لقط المرجان
[88] مسلم 14/396
[89]الترمذي 2059 , ابن ماجة 3510 , , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4560و الصحيحة 1252
[90] مسلم 14/407
[91] لقط المرجان
[92] ذكره ابن القيم في الزاد 4/162 وابن حجر في الفتح 10/ 211
[93] الأحوذي 6/ 187