العين
هي النظرة ينظرها الإنسان لغيره إما:
حقداً وحسداً لزوال النعمة عن المعيون وهذا هو الحسد المذموم ، وهو لا يكون إلا من نفس خبيثة [94]
باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل منه للمنظور ضرر
لا تصاحب حسد في النفس لكن سببها الإعجاب والنشوة في النفس
لأن الإعجاب والدهشة يكون غالب عليها دون قصد زوال النعمة وهذه قد تحدث من أي أحد حتى من الصالحين علما أن المصدر واحد وهو النظرة [95]
كما حدث لعامر ابن ر بيعة وهو صحابي من صحابة رسول الله فقد {خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه حنى ساروا معه نحو ماء حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الحجفة اغتسل سهل ابن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة (يعني ولا جلد فتاة مخبّأة في خدرها ) فليط سهل ( أي صرع سهل وزناً ومعنى ) , فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله هل لك في سهل ؟ والله ما يرفع رأسه فقال هل تتهمون به من أحد؟ قالوا نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا عامراً فتغيظ عليه، فقال علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذ رأيت ما يعجبك بركت ثم قال اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم قال يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح ، ففعل به ذلك ، فراح سهل مع الناس ليس به بأس}
وفي رواية فوعك سهل مكانه واشتد وعكه ، وفيه: ألا بركت إن العين حق، توضأ له ، فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس [96]
فهذا صحابي وقد أصابته عين صحابي أخر لم يقصد أن يضره ولكن لما رأى من بياض الصحابي دهش وتعجب ولم يكن يعلم أن هذا قـد يسبب لأخيه الصحابي كل هذا الضرر بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه في حينه تعليماً له وتوجيهاً للأمة من بعده
تبين مما مر معنا أن الإصابة بالعين قد تكون عن عمد بقصد الأذى كالتي تكون من حاسد , وكما تكون من عدو حاقد
وقد تكون بغير عمد , لا قصد للأذى فيها كالتي تكون بسبب الإعجاب والتي قد يحدث منها الأذى فيما يخصه كماله أو ولده
لذا يمكننا أن نقسم العين على حسب نفسية صاحبها إلى :
العين المعجبة [97]
إن النفس إذا ما أفرطت في الإعجاب بنعمة من النعم أثرت فيها وأفسدتها بإذن الله تعالى ما لم يُبَرِك صاحبها كعين عامر بن ربيعة وإصابتها سهل بن حنيف
فإن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، إذا لم يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة [98]
العين الحاسدة
تخرج العين من نفس حاسدة خبيثة ، خبيث صاحبها ، وهي في الأصل تتمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود , والتي كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم منها { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك }[99]
فبينت هذه الرقية شر عين الحاسد , إذا نظر , نظرة من قد تكيفت نفسه الخبيثة ، واحتدت , فصارت نفساً غضبية خبيثة حاسدة أثرت بها تلك النظرة فأثرت في المحسود
العين القاتله ( السمية )
تخرج العين من العائن إلى المراد إعانته بقصد الضرر
قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {إن العين لتولع الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا (الجبل)، ثم يتردى منـه }[100]
معنى الحديث أن الإنسان قد يرتقي إلى جبل عالي ثم يسقط من فوقه بسب دخول عين الغير فيه
وقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
{ العين حق تستنزل الحالق } [101]
أي العين تسقط وتهدم الجبل العالي
وقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { أكثر من يموت من أمتي بعـد
قضاء الله وقدره بالعين }[102]وفي رواية { بالنفس أي العين }[103]
وقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين }[104]
أي العين تقتل الرجل فيدفن في القبر وتصيب الجمل فيشرف على الموت فيذبحه مالكه ويطبخه في القدر
كالتي تخرج من العائن الذي استدعته قريش ليعين النبي صلى الله عليه وسلم لكن الله حفظ نبيه
وقد حكى بعض الإخوان أن من المعينين من يريد السفر على الطائرة أو الحافلة فيعينها ، فتتوقف حتى يتفرغ فيأتي ويتكلم بما يبطل ما بها فتصلح مع بذل العمال ما يستطيعون في إصلاحها ، والحكايات عن أهل العين كثيرة مشهورة [105]
فقد يصاب الإنسان بعين سمية في رأسه فتتلف خلايا مخه فيصاب بالجنون ، أو قد يصاب الإنسان بعين سمية في نفسيته فيجهد من الضيق والحزن والكآبة وتضيق عليه الأرض بما رحبت فمثل هذا يخشى عليه من الانتحار والعياذ بالله , أو تسبب بعض أمراض السرطان أو الجلطة
أو الربو أو الشلل أو العقم أو عدم انتظام الدورة الشهرية للنساء [106]
[94] لقط المرجان
[95] ابن حجر في الفتح
[96] الموطأ 2/938 , ابن ماجة 3509 , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4562
[97] من الملاحظ والمعلوم بالتجربة أن العين المعجبة قليلا ما تكون مصحوبة بالمس أما العين الحاسدة والسمية كثيراً ما تكون مصحوبة بالمس والله أعلم
لقط المرجان
[98] ابن حجر
[99] مسلم 14/393
[100] المسند 5/146 , السلسة الصحيحة 889
[101] المسند 1/274 والحاكم 4/215 , الطبراني في الكبير 12/184 , وحسنه المناوي 5745 , حسنه الألباني في السلسة الصحيحة 1250 , أحمد شاكر 2478
[102] يستنبط من حديث أكثر من يموت من أمتي والرواية الأخرى أكثر هلاك أمتي :
أن العين تصيب أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من بقية الأمم الأخرى
أكثر موتى المسلمين يموتون بسبب العين ، وهذا يعني أن أكثر من 50% ممن يموت من المسلمين , سواء كان سبب هلكهم حادث سيارة أو سقوط طائرة أو بسبب مرض معروف أو بسبب مرض غير معروف , هو في الأصل من بعد قضاء الله وقدره بسبب العين كما يستفاد من هذا الحديث أن الكثير من الأمراض العضوية والنفسية والعصبية التي يعجز الأطباء عن معرفة سببها وطريقة علاجها هي من أثر العين ، فما دون الموت أحرى بوقوعه
لقط المرجان
[103] السنة لأبي عاصم 311 , حسن إسناده الحافظ في الفتح 10/214 وحسنه المناوي 1385 , كنز العمال 17662 وعزاه الأثنين لطيالسي (تخ) والحكيم والبزار 3052 والضياء , حسن الألباني الأولى في صحيح الجامع 1206 والثانية
[104] حسنه الألباني في الصحيحة 1249 ذكره ابن كثير في تفسيره في آخر آية في سورة القلم
[105] ذكره سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين في الحسد في موقعه
[106] لقط المرجان