هل الروح والنفس شيء واحد
أو شيئان متغايران؟
اختلف الناس في ذلك: فمن قائل: إنهما شيء واحد،
وهم الجمهور. ومن قائل: إنهما متغايران.
والتحقيق أن لفظ الروح والنفس يعبر بهما عن عدة معان،
فيتحد مدلولها تارة ويختلف تارة، فالنفس تطلق على أمور:
منها: الروح؛ يقال: خرجت نفسه؛ أي: روحه، ومنه
قوله تعالى: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} .
ومنها: الذات؛ يقال: رأيت زيدا نفسه وعينه، ومنه
قوله تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ} .
ومنها: الدم؛ يقال: سالت نفسه، ومنه قول
الفقهاء: ما له نفس سائلة، وما ليس له نفس سائلة، ومنه يقال: نفست
المرأة إذا حاضت ونفست إذا نفسها ولدها، ومنه النفساء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ويقال: النفوس
ثلاثة أنواع، وهي:
النفس الأمارة بالسوء: التي يغلب عليها اتباع هواها
بفعل الذنوب والمعاصي.
والنفس اللوامة: وهي التي تذنب وتتوب؛ ففيها خير
وشر، ولكن إذا فعلت الشر؛ تابت وأنابت، فتسمى لوامة؛ لأنها تلوم صاحبها
على الذنوب، ولا تتلوم؛ أي: تتردد بين الخير والشر.
والنفس المطمئنة: وهي التي تحب الخير والحسنات،
وتبغض الشر والسيئات، وقد صار ذلك لها خلقا وعادة.
فهذه صفات وأحوال لذات واحدة؛ لأن النفس التي لكل
إنسان هي نفس واحدة.
والروح أيضا تطلق على معان:
منها: القرآن الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله؛ قال
تعالى:
{وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} .
وعلى جبريل؛ قال تعالى: {نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} .
وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله؛ قال
تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ
أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} ، سمي روحا لما
يحصل به من الحياة النافعة؛ فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة،
وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن.
وتطلق الروح أيضا على الهواء الخارج من البدن والهواء
الداخل فيه.
وتطلق الروح على ما سبق بيانه، وهو ما يحصل بفراقه الموت، وهي بهذا الاعتبار ترادف النفس ويتحد مدلولهما، ويفترقان في أن النفس تطلق على البدن وعلى الدم، والروح لا تطلق عليهما. والله