الأصل الخامس في العقيدة
أصل الخامس في العقيدة الإيمان
باليوم الآخر
البعث والنشور
اعلم أن وقوع البعث من القبور قد دل عليه الكتاب
والسنة والعقل والفطرة السليمة؛ أخبر الله عنه في كتابه العزيز، وأقام
عليه الدليل، ورد على منكريه في آيات كثيرة من القرآن العظيم، وقد
أخبرت عنه جميع الأنبياء أممها، وطالبت المنكرين بالإيمان به، ولما كان
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وكان قد بعث هو والساعة
كهاتين؛ بين تفصيل الآخرة تفصيلا لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء
قبله.
والقيامة الكبرى معروفة عند جميع الأنبياء من آدم إلى
نوح إلى إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم... عليهم الصلاة والسلام.
وقد أخبر الله من حين أهبط آدم بالقيامة: فقال
تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ
وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} . وقال: {قَالَ
فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}
. ولما قال إبليس اللعين: {قَالَ
رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ
الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} .
وقال نوح عليه السلام لقومه: {وَاللَّهُ
أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا
وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} .
وقال إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي
أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} .
وموسى عليه السلام قال الله له: {إِنَّ
السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} . وقال موسى في دعائه: {وَاكْتُبْ
لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا
إِلَيْكَ} .
وقد أخبر الله أن الكفار إذا أدخلوا النار يقرون أن
رسلهم أنذرتهم هذا اليوم؛ كما في قوله تعالى: {أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ
حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} ؛ فجميع
الرسل أنذروا بما أنذر به خاتمهم عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
وقد أخبر الله تعالى أن الموتى يقومون من قبورهم إذا
نفخ في الصور النفخة الثالثة؛ قال تعالى: {ثُمَّ
نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ،
وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ}
.
قال السفاريني: "وفي تفسير الثعلبي عن أبي هريرة
رضي الله عنه في تفسير سورة الزمر مرفوعا: (إن
الله يرسل مطرا على الأرض، فينزل عليها أربعين يوما، حتى يكون فوقهم
اثني عشر ذراعا، فيأمر الله تعالى الأجساد أن تنبت كنبات البقل؛ فإذا
تكاملت أجسادهم كما كانت؛ قال الله تعالى ليحي حملة العرش! ليحي
جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل! ثم يأمر الله تعالى إسرافيل،
فيأخذ الصور، فيضعه على فيه، ثم يدعو الأرواح، فيؤتى بها؛ تتوهج أرواح
المؤمنين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم
يأمره أن ينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كلها كأنها النحل، قد ملأت ما
بين السماء والأرض، ثم يقول الله تعالى وعزتي وجلالي؛ لترجعن كل روح
إلى جسدها، فتدخل الأرواح من الخياشيم، ثم تمشي مشي السم في اللديغ، ثم
تنشق الأرض عنها سراعا؛ فأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها إلى
ربكم تنسلون) ".
وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (ينزل
من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيء إلا يبلى؛
إلا عَُظيم واحد، وهو عجب الذنب، منه يركب الخلق يوم القيامة)
. وفي روايات مسلم: (إن في
الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا، منه يركب الخلق يوم القيامة.
قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: عجب الذنب) .
قال العلماء: وعجب الذنب هو العظم الحديد الذي يكون
في أسفل الصلب.
وقد جاء في الحديث أنه مثل حبة الخردل؛ منه ينبت جسم
الإنسان.
وقد استبعد المشركون إعادة الناس في حياة أخرى بعد
الموت، فأنكروا البعث والنشور.
فأمر الله نبيه أن يقسم به على وقوعه، وأنه كائن لا
محالة: فقال تعالى: {وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي
لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} ، وقال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ
أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ
بِمُعْجِزِينَ} ، وقال تعالى: {زَعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي
لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ} .
وأخبر عن اقتراب ذلك، فقال: {اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} ، {اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} .
وذم المكذبين بالبعث، فقال: {قَدْ
خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا
مُهْتَدِينَ} ، {أَلَا إِنَّ
الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}
، {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً . ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ
كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً . أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ
اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن
يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ
فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً} ، وقال: {وَقَالُواْ
أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً
جَدِيداً} ، فرد الله عليهم بقوله: {قُل
كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً . أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ
مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً . يَوْمَ يَدْعُوكُمْ
فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ
قَلِيلاً}